من المؤسف أن كافة شعوب الدول العربية التي دخلت أجواء معترك «الربيع العربي» حتى هذه اللحظة لم تعش استقراراً حقيقياً على الإطلاق، أو بالأحرى لم ترَ استقراراً سياسياً ولا اقتصادياً ولا حتى استقراراً اجتماعياً منذ خمسة أعوام وحتى هذه اللحظة، فالثورات الشعبية والعصيان المدني وحتى عملية إسقاط الأنظمة أصبحت كلها وبالاً على رأس هذه الشعوب، بل من المؤكد أن ما كان قبل الربيع أفضل مما جاء بعده، فلربما كان المواطن العربي أكثر أمناً وطمأنينة قبل ربيع الغضب والفوضى.نحن بطبيعة الحال، لسنا ضد إرادة الشعوب في التغيير نحو الأفضل ومن أجل نيل الديمقراطية والحرية، لكن كل ما حصل هو أن ثارت الشعوب وفق مجموعة من قوانين «الأنظمة العاطفية» مع قليلٍ من الضغط الإقتصادي والمعيشي وتقليد الشعوب الأخرى في مطالبتها بهذه الأمنيات الكبيرة، وبمعنى أوضح، على الرغم من مشروعية مطالب الشعوب وحقها الكامل في الحصول على الديمقراطية الحقيقية إلا أنها لم تكن تمتلك مشروعاً سياسياً واضحاً بعد أن ترحل الأنظمة السابقة، ولو استقصينا كل الثورات العربية لوجدنا أنها لا تمتلك مشروعاً سياسياً أو نهضوياً متكاملاً يحل محل النظام السابق، فكانت النتيجة كارثية بامتياز، حيث عاشت كل الدول العربية التي عصف بها «الربيع العربي» فراغاً سياسياً قاتلاً، أدى بها إلى دخول أنفاق مظلمة من التيه والضياع والصراع وتبني معارك لا تخدم كل تطلعات الشعوب التي قدمت الكثير في سبيل الحصول على الديمقراطية.ما يؤكد هذا الوعي وهذه الحقيقة المرَّة فيما يخص زمن ما بعد «الربيع العربي»، هو انحياز الإدارات السياسية الغربية للثورات العربية وتشجيع الكثير منها ممن كانت تدعو إلى تخريب الأوطان وقتل الإنسان تحت ذريعة المطالبة بالديمقراطية، ناهيك عن كل التدخلات المباشرة للإدارات الغربية في الشؤون العربية، ودعم الكثير من الفصائل الإرهابية والمسلحة وعلى رأسهم تنظيم الدولة «داعش»، من أجل خلخلة الدول التي نشبت فيها شرارة «الربيع العربي» بشكل لافت، والإصرار على دعم كل فصيل مسلح وإرهابي بحجة نقل التجربة الديمقراطية إلى الوطن العربي، في الوقت الذي كشفت تصريحات بعض الساسة الغربيين عن نواياهم القذرة في تفتيت الدول المستقرة - ولو نسبياً - وإحلال مشاريع التقسيم والفوضى والإقتتال مكانها، فكانت النتيجة معروفة سلفاً، وهو ضياع الواقع العربي فضلاً عن كل الأحلام العربية.يجب على الشعوب والدول العربية أن تستيقظ من سباتها قبل فوات الأوان لتتعرف أكثر على طبيعة اللعبة السياسية في المنطقة، وأن تفوت على المستعمر الجديد كل مكائده ومؤامراته الواضحة لضرب كل الشعوب والجيوش والدول العربية، واستبدالها بفصائل إرهابية مسلحة هدفها الأول والأخير حماية مصالح الغرب وأذنابه في المنطقة، فالمخاض عسير، والحذر واجب، والأوطان لا تعوض، فما بعد الربيع إلا الصيف الحارق.
Opinion
ما بعد الربيع إلا الصيف الحارق
14 مارس 2016