أزمة الهوية التي تواجهها مجتمعاتنا الخليجية باتت متجذرة أكثر من أي وقت مضى، ولا يبدو أنها تتجه نحو المعالجة بقدر التأزم لتظهر تحديات مؤلمة لواقعنا المعقد.لن نتحدث عن مجتمعات دول مجلس التعاون الخليجي، بل سنتحدث عن مجتمعنا المحلي لنفهم أبعاد هذه الأزمة. فالبحرينيون الذين عاشوا في خمسينات القرن العشرين عندما كانوا يسألون: من أنتم؟ فالإجابة تكون نحن بحرينيون أو من البحرين. الآن بعد مرور أكثر من نصف قرن لو طرح السؤال مرة أخرى على مجموعة من البحرينيين، فإن إجاباتهم لن تكون موحدة أو متشابهة على الأقل!ستكون إجاباتهم كالآتي: أنا بحريني، وأنا شيعي، وأنا سني، وأنا عربي، وأنا عجمي، وأنا هولي.. إلخ، من إجابات يعرفها الجميع. ولا تقتصر الإجابات على الهوية القائمة على الانتماء، بل سنجد العصبيات القائمة على الانتماء المكاني، فسكان كل منطقة يفتخرون بأنهم أبناؤها، وبالمقابل لا يجري الحديث عن الانتماء للبحرين كإقليم جغرافي. الظاهرة لا تقتصر على أبناء البحرين، فسؤال البحريني خارج بلاده عن هويته ليقول إنه بحريني دائماً ما يتبعه سؤال آخر، من أي منطقة أنت؟!لا توجد إجابة واحدة عند الحديث عن الهوية البحرينية الجامعة، ولا يمكن الحصول على إجماع لتكون الإجابة «أنا بحريني من البحرين» فقط!هذه مجرد ملامح لظاهرة مسكوت عنها تعكس أزمة الهوية في دول مجلس التعاون رغم أبعادها المعقدة التي تشمل العلاقات بين مختلف مكونات المجتمع، والعلاقة مع من اكتسبوا شرف جنسياتها خلال العقود الأربعة الماضية، وعلاقة هذه الهويات الفرعية بالدولة.مرحلة تاريخية مهمة تمر بها دول مجلس التعاون الخليجي حالياً بانتقالها من الدولة الريعية إلى مرحلة ما بعد الدولة الريعية. رغم غموض المرحلة المقبلة وصعوبة التنبؤ بملامحها المستقبلية، إلا أنه قد يكون من سماتها صراع الهويات بعد أن ضاق الجميع بالصراع السياسي وفق الاعتبارات الدينية والمذهبية خلال الفترة من 2003 إلى 2016.خلال مرحلة التحول السياسي والاجتماعي الجارية حالياً مع فقدان النفط قيمته، وتراجع خدمات الدولة، من المتوقع أن تلجأ كل مجموعة إثنية إلى البحث عن مكتسبات جديدة، أو تحافظ على مكتسباتها السابقة، وبعد فترة سيكون من الصعب الحصول على مثل هذه المكتسبات، فضلاً عن الحفاظ على المكتسبات القائمة، لتضطر كل مجموعة للتنافس على ما تبقى من المكتسبات ممثلة في عدد من الخدمات الحكومية «إسكان، وظائف.. إلخ». بعد الانتهاء من المنافسة على المكتسبات، سيظهر تنافس آخر حول النفوذ السياسي، قد يكون مشابهاً لذلك الصراع الذي عانت البحرين منه خلال 16 عاماً عندما تصارعت التيارات السياسية المختلفة عبر جمعياتها على النفوذ والسيطرة على مؤسسات الدولة، وخاصة الحكومية منها. وللحديث بقية.