تغريدة لافتة نشرها الإعلامي علي الظفيري عبر من خلالها وفي ست كلمات فقط عن حالة «اليسار» كيف كان وكيف صار، فكتب «كان اليسار عنواناً لذكاء الأفراد وألمعيتهم»، وهو يعني باختصار أن اليسار الذي كان هكذا لم يعد هكذا، وهو كلام صحيح، دليله في البحرين هو ما آلت إليه حال الجمعيات السياسية المحسوبة على اليسار والتي اختارت حضن جمعية «الوفاق» لترتاح فيه ورضيت بأن تكون منقادة لها من دون أن تهتم حتى لتاريخها.ما آل إليه حال اليسار هنا مؤسف. مؤسف أن تكون تقدمياً وتدار من قبل من يعتبر التقدم خطراً عليه. مؤسف أن تتنازل عن رؤيتك وتقبل برؤية لست مقتنعاً بها وتناقضك، تقبلها لا لشيء إلا لأنك تخشى أن يقال عنك كذا أو كذا في ظرف معين. مؤسف أن تغامر بتاريخك فتسمح لمن تاريخه غير مساو لتاريخك بإدارتك. التقدمي هو ذاك الذي يسبق قومه إلى المستقبل فيأتيهم به مستفيداً من بعد نظره ودقة تقديره للأمور، وهذا دور مارسه البعض الذي كان بالفعل عنواناً للذكاء والألمعية، لكن لم يعد «التقدميون» يمارسونه اليوم لأنهم لم يتمكنوا من قراءة المشهد بصورة صحيحة، وصاروا بدل أن يأخذوا الناس إلى المستقبل قبلوا أن يأخذهم غيرهم إلى الماضي ليعيشوا فيه.اليسار ارتبط بالتقدم، أي أنه منطق يحارب التخلف. هذا يكفي لمعرفة المعاناة التي يعيشها اليوم اليساريون والجمعيات اليسارية، فأن تكون تقدمياً وتقبل بأن تدار من غير التقدمي فهذا يعني أنك قبلت أن تعطل دورك بقرار منك. لهذا فإنه ليس بمستغرب عدم تمكن اليسار من ملء الفراغ الذي تركه رموزه بسبب وفاتهم، فاليساريون اليوم ليسوا كاليساريين الذين غادروا هذه الدنيا، فمن جاء بعد أولئك -من دون التقليل من شأنهم- لم يتمكنوا من ملء الفراغ الذي تركوه.هذا كلام قاس على اليساريين وعلى الجمعيات اليسارية ولكن لابد أن يقال، ذلك أن من الظلم لليسار المعبر عن الفكر التقدمي أن ينحصر نشاطه في إصدار البيانات الجماعية وغير المؤثرة وعقد الندوات التي لا يأتي المشاركون فيها بجديد وأن يردد ما تردده الجمعيات النقيضة له من كلام.طبيعة المرحلة التي تمر بها البلاد تتطلب أن يكون لليسار دور مختلف عن الدور الذي يمارسه اليوم، وأن يكون له مواقف مختلفة، لا أن يتنكر لدوره ويختبئ في أحضان غير التقدمي الذي من الطبيعي أن يجره إلى الأسفل بدل أن يتأثر به ويرتقي معه إلى الأعلى. ومع هذا فإنه لايزال هناك متسع من الوقت لتصحيح هذا الخطأ الاستراتيجي، غير أن هذا يتطلب قراراً جريئاً من قادة اليسار يفترض أن يكونوا قادرين على اتخاذه، على الأقل كي يثبتوا أنهم لايزالون مخلصين لمبادئهم وقادرين على تقديم مفيد لهذا الوطن لأن ما يقدمونه حالياً لا يفيد الوطن وإنما يضره.ليس عيباً أبداً التوقف للمراجعة وإعادة قراءة المشهد وتصحيح الأخطاء، فهذا أحد الأسس التي يقوم عليها اليسار والتقدمية، عدا أن هذه الخطوة تعود بالنفع على الوطن. استمرار اليسار في الوضع الذي هو فيه اليوم يعني بداية نهايته، ويعني التفريط في تاريخ مهم وذاكرة ليس من حق من يقود اليسار اليوم التفريط فيها. قبول اليسار الاستمرار في البقاء في حضن اليمين جناية في حق الفكر التقدمي وإساءة للوطن الذي يفترض أن يستفيد من هذا الفكر في مثل هذه المرحلة على وجه الخصوص، فهذه المرحلة تتطلب أن يكون اليسار مع الوطن وليس مع من يريد السوء له ويسعى لنشر الفوضى.