أحمد أبوالغيط كما يصف نفسه بحق، إنه مقاتل شرس في دفاعه عن وطنه وقضاياه وهو زميل طيب المعشر، وإن كان البعض يشعر أحياناً أنه بارد الأعصاب، وهذه ميزة من مميزات الدبلوماسي، أن يكون هادئاً ولا ينفعل بسهولة، ولا يظهر توتره مهما كان يغلي في داخله، فلديه قدرة على استيعاب المواقف، ولديه قدرة على الصبر والتخطيط الهادئ الدقيق، وكان يقول وهو شاب في مقتبل العمر في دعابة لزملائه «انتظروني سوف أكون يوماً ما وزيراً للخارجية»، ومنهم عمرو موسى وإسماعيل فهمي، وقلة لم يفكروا أو لم يعبروا عن ذلك صراحة، وجاءت لهم في لحظة مناسبة، ومنهم نبيل العربي الذي يتسم بدماثة خلق وتواضع وعلاقات اجتماعية مع زملائه ورؤسائه ومرؤوسيه على حد سواء. عمرو موسي هو أستاذ من نوع خاص وفريد، وهو متجدد العطاء دائماً.أحمد أبوالغيط تقابلنا كثيراً في مؤتمرات دولية وفي دهاليز الوزارة ولكن عملنا معاً مرة واحدة في الوفد الدائم في نيويورك حيث كان مندوباً مناوباً وتوليت المهمة بعده، يتعلم المرء منه الكثير، خاصة الانضباط الشديد والدوام في العمل مبكراً، والحرص على القراءة المتنوعة فهو نموذج للدبلوماسي المتميز، وهو من أقدر من يصلح أميناً عاما للجامعة العربية في هذه المرحلة الدقيقة، ورغم ما لديه من قدرات على الصدام أحياناً فإن لديه من الحنكة ما يجعله توافقياً أحياناً أخرى، هو من مدرسة الوطنية والعروبية القوية والعنيفة أحياناً أمثال إسماعيل فهمي، ومدرسة التوافق والواقعية السياسية وحب مصر وتجشم الصعاب من أجلها مهما تكن النتائج، ومن هذه المدرسة الدبلوماسية عبدالحليم بدوي المندوب الدائم الأسبق في الأمم المتحدة، وبطرس غالي الذي انتقل من أستاذ جامعي في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة إلى العمل الدبلوماسي بوزارة الخارجية، وتتلمذ على يديه الكثيرون وعلى كتبه العديدة، وكان أستاذاً متميزا وعمل في السياسة والدبلوماسية حتى وصل إلى أعلى المناصب كأمين عام الأمم المتحدة، ورغم انتمائه لما أسميه مدرسة السلام الواقعية، التي تبناها الرئيس الراحل أنور السادات، فإنه لم ينس وطنيته وعروبته في موقفه من مذبحة قانا، ونشر التقرير الذي أدان من خلاله إسرائيل على المذبحة الوحشية رغم تحذيره من النشر من القوة العظمى الأولى الولايات المتحدة، والقوة الكبرى الفعلية وهي إسرائيل، التي يتردد أي رئيس أمريكي أن يناصبها العداء لكن بطرس غالي ابن الذوات وابن الصعيد كان يتسم أحياناً بالعناد والتمسك بالمبادئ، مهما كان الثمن ولقد دفع الثمن باهظاً.أحمد أبوالغيط عمل مع العديد من الوزراء، و3 مرات في الأمم المتحدة، وفي موسكو وروما كسفير، وفي غيرها من المواقع العالمية المهمة، أو في داخل مصر مع كبار الوزراء، وفي مقدمتهم أستاذ متميز في العسكرية وفي الدبلوماسية والاستراتيجية هو السفير حافظ إسماعيل، الذي وضع أسس تنظيم وزارة الخارجية المصرية ولم يطرأ عليها أية تغييرات سوى القليل، وقد سعدت بالعمل معه عن قرب في إلقاء بعض المحاضرات وإجراء بعض التحليلات الاستراتيجية حول سياسة مصر الخارجية في الثمانينات في أكاديمية ناصر العسكرية، بالطبع أنا كنت أتحدث عن السياسة الخارجية وقضاياها أما هو فكان عملاقاً في العديد من المجالات ويكفيه فخراً المصداقية التي شعر بها العالم بأسره في حرب أكتوبر 1973 حيث كان مستشاراً للأمن القومي، وكان يصدر البيانات العسكرية بعد مراجعتها، وكانت دقيقة وليس مثل بيانات مصر في حرب 1967، حيث التف المنافقون من الإعلاميين والسياسيين وغيرهم حول جمال عبدالناصر، وأخفوا عنه الحقائق حتى وقعت الكارثة، رحم الله الجميع. ولهذا أقول بحق إن أحمد أبوالغيط من أكثر المؤهلين للموقع في هذه اللحظة وأتمنى له دوام التوفيق في إصلاح ذات البين في العمل العربي المشترك الذي يواجه تحديات كبيرة، وفي هذه الأيام الفارقة في تاريخ الأمم والشعوب. وأختتم المقال برسالة تلقيتها عبر الإنترنت تشبه أحمد أبوالغيط بهنري كيسنجر، فهل حقاً هناك شبه بينهما في العمل والفكر والقدرة على المناورة والتفاوض مع الأطراف المتصارعة والمختلفة وما أكثرها بيننا نحن العرب هذه الأيام؟