لا تهمني تفاصيل الجلسة التي حاول فيها متهم رمي حذائه في اتجاه منصة القضاء ولا الفاعل وقضيته، ما يهمني هو التأكيد على أن هذا السلوك ينم عن قلة أدب وقلة تربية، أياً كان من قام به وأياً كانت الظروف التي دفعته للقيام بهذا الفعل، فليس هذا من الأخلاق الإسلامية ولا من أخلاق أهل البحرين، بكل طوائفهم وانتماءاتهم، كما أن القيام بهذا الفعل لا يمكن أن يدخل في باب البطولة، وإن صفق له البعض، الذي لا يدرك نتائج ارتكاب مثل هذا الخطأ ويفرح به، فالأذى هنا لا ينال القاضي وإنما من قام به، وذويه، ففي الوقت الذي نال فيه المتهم بسبب إهانته للمحكمة حكماً فورياً بالسجن لمدة سنة واحدة لا يمكن أن يعفى منه فإن العالم كله توجه باللوم إلى والديه وقرر أنهما لم ينجحا في تربيته.عند حصول مثل هذا السلوك المشين لا يلتفت الناس إلى قضية المتهم كما قد يعتقد البعض، وإنما إلى السلوك نفسه، ويقررون في التو والحال أنه سلوك غير لائق اجتماعياً وغير متوافق مع الشريعة الإسلامية، بل أن ردة الفعل السلبية تجعل الكثيرين يقولون في دواخلهم بأن عقوبة الحبس لمدة سنة لا تكفي، ولا تتناسب مع الجرم، لأن الإهانة لم توجه إلى الهدف فقط، ولكن إلى والدي الفاعل وأهله الذين يكونون قد وقعوا في حرج كبير، وإلى المجتمع.المراسل الصحافي العراقي منتظر الزيدي الذي اشتهر بقذفه زوجي حذائه صوب الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش أثناء انعقاد مؤتمر صحفي في بغداد في ديسمبر 2008 فأصاب أحدهما علم الولايات المتحدة خلف الرئيس الأمريكي بعد أن تفادى الحذاء بسرعة فائقة تسبب في الإضرار بقضيته وبقضية بلاده، ولم يجد العالم بداً من الرد عليه وتخطيئه والتعاطف مع الرئيس بوش، ومن قام بمثل هذا الفعل بعد ذلك في أكثر من مكان وفي مناسبات مختلفة صار في الموقف نفسه وخسر احترام الآخرين وإن صفق له البعض واعتبره للحظة بطلاً. حتى توفيق عكاشة زاد احترام زملائه في مجلس النواب المصري له والجمهور في كل مكان بعد أن تجاوز أحد النواب حدوده ورماه بحذائه في إحدى جلسات المجلس قبل أن تتم معاقبته بتوقيفه لمدة عام.تاريخياً تعرض العديد من الرؤساء وكبار المسؤولين في العديد من الدول للاعتداء بهذه الطريقة الدونية، أولها حدث في مبنى الأمم المتحدة في عام 1960 عندما رمى السكرتير الأول للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفيتي السابق نيكيتا خورشوف، حذاءه على المنصة اعتراضاً على الخطاب الذي ألقاه رئيس الوفد الفلبيني، وتلاه في سنوات مختلفة قيام آخرين بالحماقة نفسها ضد الرئيس الباكستاني علي آصف زرداري والرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد «مرتين» والتركي رجب طيب أردوغان والرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح، وغيرهم.ليس منطقاً القول إن الإنسان يصير في ظروف ضاغطة فلا يتمكن من السيطرة على نفسه، ذلك أن أي إنسان مسؤول عن تصرفاته إلا إن كان من المرفوع عنهم القلم، ولا يمكن قبول أي تبريرات في هذا الخصوص، فما يحدث هو أن الفاعل هنا إنما يبحث عن قصة ليشتهر بها وليظهر نفسه على أنه بطل، ويلفت الانتباه إلى قضية يمكن لفت الانتباه إليها بطرق مؤدبة، وبالتالي فإن من الطبيعي أن ينال جزاءه ويخسر قضيته ويستصغره الآخرون الذين ظن أنه سيكسب تعاطفهم وسيرفعونه على الأكتاف.ليس في هذا الفعل المتخلف بطولة، فلا بطولة في التجاوز على الأخلاق، والأكيد أن الفاعل نفسه سيقول هذا الكلام لو أن الاعتداء حصل على واحد ممن يعتبرهم رموزاً.