كمواطنين من ضمن تطلعاتنا تلك الأمور المعنية بمحاربة الفساد الإداري والمالي.ويعزز هذا التطلع توجه الدولة من خلال إنشاء ديوان الرقابة المالية والإدارية بهدف المحافظة على المال العام، وتحسين الأداء الحكومي من خلال محاربة التجاوزات الإدارية، إضافة إلى توجه وزارة الداخلية من خلال إدارة الجرائم الاقتصادية لإنشاء خط ساخن للتبليغ عن حالات الفساد التي لها توثيق بالأدلة. وعليه حينما تكون لدينا ردات فعل تجاه تقارير الديوان التي تصدر بشكل سنوي، مع مطالبات بأن يتم تفعيل ما تتضمنه التقارير عبر إجراءات محاسبية، فإننا نستند في ذلك إلى توجه الدولة نفسها. هدفنا محاربة الأخطاء، سواء أكانت حالات فساد عبر الإصرار والترصد، أو إن كانت تجاوزات إدارية تسبب الإخلال بالعمل أو تفضي إلى هدر مالي تتضرر منه ميزانية الدولة، والأخيرة أحوج ما تكون اليوم لصرف المبالغ في أوجهها الصحيحة لا تبذيرها. بالتالي أتوقف عند تصريحات وزير شؤون مجلس الوزراء السيد الفاضل محمد المطوع بشأن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة من جانبها في شأن التعامل مع المخالفات الواردة في تقرير ديوان الرقابة. المعلومات التي أدلى بها الوزير المطوع رداً على سؤال النائب محمد الأحمد فيها معلومات من المهم أن تصل للناس، أقلها حتى نكون على بينة بشأن الإجراءات المتخذة وماذا تفعل الحكومة من جانبها، إذ خطر جداً أن تكون هناك إجراءات تتخذ وحراك على أرض الواقع بمعزل عن معرفة الناس، لأن جهل الناس بتفاصيل الأمور يدفعهم للافتراض والجزم بأمور قد لا تكون واقعية، بل يقودهم لتضخيم حالة التذمر والاستياء. إن لم توجد توضيحات وردود وبيانات وسرد لأرقام، كنا سنقول إننا نرى الفساد ولا نحاربه، إننا نرى التجاوزات ولا نضع لها حداً. وفي ذلك ظلم للجهود التي تبذل. وعليه من منطلق الأمانة، فإن الإجابة التي أوردها المطوع فيها من الإيجابية الشيء الكثير، ومن الضروري أن يطلع عليها الناس، حتى وإن كان التحرك ليس بحجم التوقع الذي يريده الناس، لكن أقلها أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي أبداً. بحسب كلام وزير شؤون مجلس الوزراء، فإنه تمت إحالة 34 ملاحظة واردة في التقرير إلى إدارة مكافحة الفساد والأمن الاقتصادي والإلكتروني، لتقوم بدورها بالتحقيق فيها وإحالة ما يلزم للنيابة العامة. الإيجابي هنا أن بعض الحالات تمت بالفعل إحالتها للنيابة العامة للتحقيق فيها، حرصاً من الحكومة لتطبيق مبدأ الشفافية والمحاسبة، وأنها ستلتزم بما يقره القضاء في حالة ثبوت التهم على المخالفين. معلومة أخرى مهمة تتمثل بأن الحكومة شكلت 48 لجنة تحقيق، وأوصت اللجان بتنفيذ إجراءات تأديبية بشأن 14 مخالفة، وذلك بالتنسيق مع ديوان الخدمة المدنية. ما نريد قوله هنا، إن مثل هذه الأرقام مهمة، بل ضروري إعلانها على الملأ، حتى يعرف الناس ما يحصل من إجراءات، والأهم أن يكون هناك إعلام دائم عن التحركات بحيث نؤكد على وجود سعي دائم للتعامل مع هذه الملفات الحساسة بجدية واهتمام. لكن مع الأرقام يكون التفصيل مهماً، إذ على سبيل المثال الحالات الـ14 التي اتخذت فيها إجراءات تأديبية، من المهم أن نعرف هي معنية بأية قطاعات، وإن كان من مسؤولين فيها أو إدارات وحتى مكاتب وزارية، وهنا لسنا نقول أن شهروا بالناس وافضحوهم، لأن العملية أصلاً ليست كذلك، فالعرف المنطقي يقول إن من تجاوز وأخطأ واستهتر بالأمانة التي منحته إياها الدولة هو من يكتب على نفسه الفضيحة، وهو من يجب أن يكون عبرة للآخرين. لا تستقيم الأمور إلا حينما يكون هناك نموذج واضح وصريح للمحاسبة، لا يخاف المفسدون ولا يكفون عن الممارسات الفاسدة إلا حينما يرون المحاسبة صارمة، ويرون أمامهم مثالاً صريحاً على تطبيق القانون بحق المفسدين. حتى من تسول له نفسه خيانة الأمانة والاستهتار بالثقة، بالضرورة سيرتدع لو رأى أن العاقبة وخيمة وأن العقاب صارم، فالأساس هنا يتمثل بأن الدولة وأمانتها وثقتها ومسؤوليتها وأموالها العامة كلها تمثل «خطوطاً حمراء» المساس بها «جريمة» لا يتوجب غفرانها. نحيي الحكومة على هذه الإجراءات، ونطالب بتقويتها واستمراريتها وتكثيفها، وأن تستمر في إطلاع الناس على نتائج عمليات التصحيح والمحاسبة. تطبيق القانون أمر من المهم أن يكون واضحاً وظاهراً في أي دولة شعارها الإصلاح ومحاربة الأخطاء والفساد. حفظ الله البحرين وسدد خطى كل ساع للخير من أجلها.