يعجبني الإعلام الأمريكي، فهو إعلام مدروس قائم على أجندة واضحة بالنسبة للقائمين عليه، ولا يخلو أبداً من التكتيكات الإعلامية حتى في برامجه الترفيهية، فعلى سبيل المثال لا الحصر أشاهد عادة برنامج Boss of cake وهو برنامج ترفيهي عن أحد الأشخاص الذين يمتلكون مخبزاً لصناعة الكعك حسب الطلبات، وفي كل حلقة يتم سرد قصة كاملة حول سبب صنع أي قالب «كعك»، فأحياناً تطلبها عروس لزواجها فيتم عرض كافة تفاصيل حفل الزواج وعائلتها وحياتها، وكيف تعرفت على زوجها وتفاصيل كثيرة عن حياتهما. ويتشعب البرنامج للحديث عن العديد من تفاصيل العاملين في مخبز كذلك. وقد تصنع الكعكة لمنظمة أو مدرسة معينة لسبب معين فينقلونا معهم لنعيش تفاصيل الاحتفال، وغيرها من المناسبات. الرسالة من وراء هذا البرنامج كما هو واضح هو «قالب الكعك» الذي سيصنع في نهاية الحلقة باحترافية شديدة ولكن!! هناك العديد من الرسائل التي تمرر للمشاهد عبر سرد تفاصيل العديد من القصص.. وتشير جميع البحوث الإعلامية والنفسية إلى أن الرسائل غير المباشرة التي يتلقاها المشاهد تؤثر تأثيراً كبيراً على المشاهد بشكل أكبر من الرسائل المباشرة.ولأن الأمريكيين «عباقرة» في توظيف الإعلام لخدمة أجنداتهم، نرى أنهم يدخلون أفكاراً شاذة إلى عقولنا بالطريقة غير المباشرة، كأن يجعلونا نتعاطف مع شخص «مثلي» جاء يطلب كعكة معينة لحبيبه «المثلي» لكي يتقدم لخطبته، ويسرد لنا قصة حبه لهذا الشخص في سياق يجعل من موضوع «زواج المثليين» شيئاً شائعاً وقابلاً للطرح في الإعلام، وغيرها من الأفكار التي تدخل إلى عقولنا بشكل غير واع وغير مدروس.وعلى النقيض فإن الإعلام الأمريكي وكما يمرر لنا رسائل غير مقبولة وخبيثة فإنه يعمل بطريقة إيجابية جداً في التأكيد على الهوية الوطنية الأمريكية، وكلنا نعرف أن الولايات المتحدة الأمريكية قائمة أساساً على الاختلاف فالشعب الأمريكي برمته عبارة عن مزيج من الأعراق المختلطة والمختلفة، ولكنهم رغم هذا الاختلاف والتباين يظهرون ويعتزون بانتمائهم إلى «أمريكا» ويتمسكون حتى النخاع بالحلم الأمريكي.ونحن! نعم نحن! رغم أن الذي يجمعنا أكثر من الذي يفرقنا بات كل شخص فينا يتباهى بأصله وفصله متناسياً اعتزازه أولاً وأخيراً بهويته الوطنية. حتى إنتاجنا الإعلامي لم يوفق للأسف في ردم الفجوة في موضوع «الهويات»، فكم من مسلسل خليجي أظهر الأقليات بشكل «منفر»، وكم من دراما أظهرت صراع «الهويات» بشكل غير إنساني! وكم من برنامج تلفزيوني وإذاعي ناقش هذا الموضوع بشكل غير إيجابي. عقدة الهويات أعتقد أنها عقدة عند العرب فقط، فلم أسمع في حياتي قط عند الأجانب أي حساسية من «اختلاط الهويات».لا أقصد من كلامي أن يتنكر أي شخص من أصله، فالأمريكي قد يقول إنه «أمريكي من أصول إسبانية أو هندية أو أوروبية مثلاً»، ولكنه يبدؤها بأنه «أمريكي»، وكم هو جميل أن نعزز من هويتنا، ونتفاخر بها بدلاً من أن نثير الأمور التي تمزق مجتمعنا.فلنتباه بانتمائنا لهذا الوطن المعطاء، ولنقلها بكل عز وفخر بأننا بحرينيون وكفى!!أما أن ترفض الآخر بحجة «الاختلاف» سواء في الأصل أو الهوية فهذا مبدأ لم نعتده نحن شعب البحرين المحب للجميع.ترعرعنا وكبرنا ونحن خليط متجانس نتباهى بوطنيتنا، فما الذي تغير؟! لماذا لم تعد قلوبنا تتسع للآخر؟ وهل هذا الشيء في صالحنا؟وهل من صالحنا أن نشعر الآخر بأنه أقلية؟ وما العواقب التي ستترتب على هذا الفعل؟! على أقل تقدير فإن الشخص الذي سيشعر بأنه أقلية في المجتمع سيحاول أن يبحث عن كيان يحتضنه، وما أكثر الكيانات غير الوطنية التي تريد أن تزرع هذه الفرقة وتريد أن تدخلنا في «صراع الهويات»!.أعتقد أن هناك دوراً كبيراً يجب أن تلعبه الدولة بجميع مؤسساتها وليس الإعلام فقط لدرء عواقب ملف «صراع الهويات» ويجب أن تكون عند الدولة خطة محكمة للتعامل مع هذا الموضوع من أجل خلق «خليط متجانس»، «خليط وطني»، هدفه الأول والأخير هو خدمة هذا الوطن الغالي ورفعته. فكم هو جميل إذا سألك أي شخص «شنو أصلك»؟ قل له «بحريني وكفى».