د. عادل محمد عايش الأسطلمنذ أن برزت النوايا الإسرائيلية في السيطرة على منطقة E-1، الواقعة بين مستوطنة معاليه أدوميم ومدينة القدس المحتلة، والتي من شأنها أن تفصل بين أجزاء الضفة العربية، دخلت جهات فلسطينية ودولية في مواجهات مختلفة ضد هذه النوايا، الأمر الذي أرغم الحكومة على تعليق العمل بها. لكن وبالمقابل، أفشلت إسرائيل كل المحاولات الفلسطينية بما فيها فعاليات أبواب الشمس، بشغل تلك المنطقة والسيطرة عليها، للحيلولة دون عودة الإسرائيليين إليها. كما قامت حكومة "بنيامين نتانياهو" خلال الفترة القريبة الماضية بإرجاء بناء 20 ألف وحدة سكنية في مناطق المستوطنات القائمة في أنحاء الضفة الغربية، نتيجة ضغوط أوروبية وأمريكية بهدف عدم عرقلة المسيرة التفاوضية المتعثّرة، وبالمقابل قامت بهدم المزيد من المنازل والمحال والممتلكات الفلسطينية في نواحٍ متفرقة في الضفة الغربية والقدس الشرقية.كان تعليق العمل بمشاريع منطقة E-1، لرأب الصدع الذي حصل مع الدول الغربية والولايات المتحدة، نتيجة إقدامها على تنفيذ مخططها في ظل ظروف حرجة وحساسة، بسبب أن المخطط يتنافى كليّاً مع خطّة خارطة الطريق التي تبنّتها الإدارة الأمريكية منذ ما يزيد على عقدٍ مضى، ولهذا تم الإرجاء. وهو الأمر نفسه الذي تم اتباعه بالنسبة لمشروع ألـ 20 ألف وحدة سكنية بناءً على طلب أوروبا والولايات المتحدة أيضاً، من أجل تسهيل العملية التفاوضية بين الفلسطينيين والإسرائيليين.في الأثناء، مرّ علينا قرار حكومي مماثل بشأن تعليق أو (إرجاء- تبديل) مخطط برافر التهجيري، الذي يهدف إلى إفراغ نحو 70 ألف فلسطيني من بدو النقب من أراضيهم، وتجميعهم في ما يسمّى بالتجمّعات المدنيّة (بلديات التركيز). وبسبب أن هناك حاجة إسرائيلية إلى المنطقة المُخلاة من أجل تطويرها – برؤية إسرائيلية- باعتبارها مهمة وطنية للسنوات العشر القادمة. لاسيما في ضوء عدم حصول السكان البدو على اعتراف حكومي، أو قضائي إسرائيلي بملكيتهم لقراهم ولأراضيهم. حيث وافق "نتانياهو" على إلغاء نقاش القانون في الكنيست- القراءة الثانية- بعدما تم تمريره بالقراءة الأولى في 24 يونيو/حزيران الفائت، بناءً على توصية من وزير التخطيط الإسرائيلي السابق "إيهود برافر"، عام 2011، والذي يقضي بضرورة تهجير سكان عشرات القرى البدوية من صحراء النقب.جاء القرار، لوقوع "نتانياهو" وحكومته تحت وطأة ثلاثة أبواب رئيسية أولها: حينما تكوّن ما يشبه التحالف بين أقطاب اليمين واليسار، اليهود والعرب معاً، في مواجهة الترويج للقانون، بغض النظر عن الأسباب الخاصة لكلٍ منهم، فالوزراء والنوّاب اليمينيين الذين عارضوا مناقشة المشروع، كان ليس لعيون الفلسطينيين والبدو خاصة، ولكن على أمل أن الحكومة مُلزمة بوضع تخطيط جديد. بناءً على توصيات من وزراء ورؤساء أحزاب أكثر تشدداً وعلى رأسهم وزير الخارجية "أفيغدور ليبرمان" الذي عارض القانون، بسبب أنه أعطى البدو أكثر مما يستحقون. كما أن البيت اليهودي الذي يتزعمه "نفتالي بينت" رأى أن الأمر يتطلب حلاً مختلفاً، وكان رئيس الائتلاف الحكومي وعضو الكنيست "ياريف ليفين" قد عارض المشروع بسبب أن الوزير "بيني بيغن" وهو من أقطاب الليكود، كان أعطى بيانات مضللة، بأن هناك اتفاقاً حول هذا المخطط. أمّا "بيغن" فقد خشي على تماسك الائتلاف الحكومي الذي اشتدت بين وزرائه خلافات تهدف إلى تحقيق مكاسب سياسية. وبسبب أن هناك بدائل. وكانت تحدّثت تقارير حول انقسامات وزارية بشأن المخطط أو كيفية ووقت تنفيذه. كما أراد "نتانياهو" الاستجابة لخطة عمل النظام السياسي الجديد، والمتعلّقة بتنظيم وتسوية وجود السكان البدو في المنطقة. وأخيراً، لوقف موجة الاحتجاجات الفلسطينية والانتقادات الدولية في هذا الشأن. وهناك أمور ثانوية يمكن زيادتها، ومنها: أن وزراء في الحكومة رغبوا في تهدئة موالين للدولة، إلى حين التمكن من استمالتهم بطريقةٍ ما، كما أن هناك حاجة لإعطاء فرصةً أكبر لأولئك الذين يحاولون تعطيل العملية التنظيمية في داخل المنطقة. إلى جانب تصاعد حدّة الخلاف بين الدولة وملكية الأراضي البدوية، فضلاً عن أن ليس هناك المزيد في الأموال المطلوبة لتغطية تكاليف التعويضات اللازمة. على الرغم من قرار تأجيل التعامل مع القانون، لكن الخطوط الجوهرية سوف تستمر عبر وحدة تنفيذ الاقتراحات وسلطة تنظيم الاستيطان. حيث أكّد "نتانياهو" أنه لن يكون هناك تسامح مع المخالفين. وأنه لن يُمكن جهود أقليّة صاخبة في منع مستقبل أفضل للسكان البدو كي يعيشوا في المدنيّة. وقد بدأ بالفعل تكوين تحالف جديد في محاولة للحصول على خط مختلف، من خلال اتفاقات وتنسيق المواقف بين الليكود وإسرائيل بيتنا والبيت اليهودي في هذا الصدد. وكان قد كلّف "نتانياهو" بدايةً، رئيس الائتلاف "ليفين" القيام على صياغة تخطيط جديد، لا يبتعد كثيراً عن الخطوط الرئيسية والمتشددة للمشروع القديم والتي تتمحور في الحفاظ على الأراضي الوطنية وإزالة المتجاوزين الذين استولوا على (أراضي الدولة). ثم تأتي التلطيفية في عبارات تسوية المشكلة مع بنية تحتية تكفل مستوىً معيشي لائق. اعتبرت جهات فلسطينية إعلان "نتانياهو" إلغاء التداول في مخطط برافر انتصار، جاء نتيجة للنضال الشعبي والجماهيري والرافض للمخطط، وإن كان هذا جيّد، إلاّ أن اعتبار مسألة إلغاء النقاش في الكنيست – كما مرّ آنفاً- لا تعني إلغاء الخطوط العريضة القانون، وربما النظم الجديدة المراد العمل بها، ستكون أصعب من ذي قبل، ومن الواضح أنها ستخلق أوضاعاً أسوأ، لا سيما في ضوء الاستمرار في هدم البيوت ومصادرة الأراضي وتخريب الممتلكات، بحجة أن هذه القرى غير معترف بها، ما يدل على أن الحكومة ماضية في تهويد كافة أراضي النقب. فهي وإن عمدت إلى التغاضي عن تنفيذ أيٍّ من المخططات في هذا الصدد، فإن هذه القرى ستظل تحت وطأة الكثير من المضايقات وأشكال المعاناة، حيث ستظل تفتقر إلى البنية التحتية الأساسية وإلى ما لا نهاية خاصةً فيما يتعلق بالماء والكهرباء وبقية الخدمات الحكومية الأخرى. وهناك لدى الحكومة العديد من الإجراءات الكفيلة بجدوى تلك الإجراءات. ومنها اتباع أساليب كانت ناجحة، عندما قامت حكومة "أريئيل شارون" بتطبيق خطّة الاخلاء الجزئي للمستوطنات المتواجدة في قطاع غزة وشمال الضفة الغربية في العام 2005، وهي الترحيل على مراحل وتشمل الترحيل الطوعي مقابل تعويضات عالية، والترحيل بدون ملاحقات عسكرية وقضائية، وإخلاء بالقوة للبقية القليلة الباقية مع تحمل تكاليف الإخلاء والمسؤولية القضائية.إن المخطط التهجيري الصهيوني ما زال قائماً من حيث الجوهر، وأن الحكومة الإسرائيلية ستظل لا تدّخر جهداً من أجل المحاولة للالتفاف لبنائه من جديد. ويبدو أن النضال الحقيقي ضده لا يكمن في تعطيل قانون، أو في الإبقاء على مواصلة الاحتجاجات والركون على التضامن الدولي، بل يكمن في النضال باتجاه نزع الاعتراف بحقوق هذه القرى وبساكنيها، وهذا هو المهم. خانيونس/فلسطين14/12/2013
International
برافر التهجيري، في الوجدان الإسرائيلي!
15 ديسمبر 2013