ينشغل اليوم العرب والعالم بالاقتتال الدائر في سوريا، وبالانسحاب الروسي، وبمفاوضات جنيف، ويحتل الخطاب السياسي الذي يتحدث عن النفوذ الإيراني في المنطقة ومحاربة تنظيم الدولة «داعش» الجزء الأكبر من اهتمامات العرب، في حين يغيب عنا موضوع هو أساس الصراع في المنطقة، ألا وهو الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين. إن إسرائيل هي المستفيد الأول من الصراع الحالي، وكلما زاد التوتر في المنطقة، ساد جو الفرح الكيان الصهيوني وفاضت منابر التواصل الاجتماعي بمباركة الأزمة حتى قال أحد المعلقين على الخبر في صحيفة «يديعوت أحرنوت» الإسرائيلية: «فليحرقوا بعضهم بعضاً ولنقل نحن آمين». ولاشك في أن إسرائيل تستغل ما يحدث في المنطقة من أجل تفعيل سياساتها الإجرامية بحق الفلسطينيين دون حسيب أو رقيب، وهذا ليس بغريب على دولة الاحتلال الإسرائيلي التي تغتنم أية فرصة أو أي حدث يشغل المجتمع الدولي للتنكيل بالفلسطينيين. وليس بالصدفة أنه غداة هجمات 11 سبتمبر 2001، قام إرييل شارون بإحدى أكثر المجازر العسكرية ضد الفلسطينيين. ففي 12 سبتمبر 2001 دخلت الدبابات الإسرائيلية مدينة أريحا كما قام الطيران الإسرائيلي بقصف مكثف لغزة وضربت مخيمات اللاجئين. وذلك هو البروتوكول الإسرائيلي لكل مصيبة تشغل الرأي العام العالمي، حتى تسونامي اليابان في عام 2011 تزامن مع أسبوع من العمليات العسكرية الإجرامية في خان يونس ودير البلح.اليوم تستغل إسرائيل الغليان في المنطقة، لتدعم سياستها الاستيطانية في الضفة، وقد أشارت وكالة «معا» الإخبارية الفلسطينية إلى أن مساحات واسعة في جنوب أريحا أعلنت عنها إسرائيل أنها أرض حكومية. وقد تم الاستيلاء في 10 مارس الحالي على 2342 دونم من الأراضي مما يفتح المجال لبناء 358 وحدة سكنية استيطانية. كما أشارت الوكالة إلى أن هناك متاجر ومحطات وقود إسرائيلية عاملة في تلك المناطق، وقد أعلنت منظمة «السلام الآن» الإسرائيلية أنه قبل تلك الاستملاكات قامت الدولة الصهيونية بضم 5000 دونم في بيت لحم في أبريل 2014.وتلك التعديات والاستملاكات لم يكن هناك مماثل لها منذ اتفاقية أوسلو مما يؤكد أن الأحداث الحالية تفتح المجال لإسرائيل لتفعيل إجرامها وللتراجع عن أوسلو. وبالرغم من أن إسرائيل تنافق وتصرح أنها مع حل الدولتين، فهي اليوم تستغل الوقت لصالحها وتستغل انشغال العرب بالصراع الحالي لتعميق مستوطناتها داخل الضفة وتجزيء الضفة إلى قسمين، مما يجعل من إقامة دولة فلسطينية أمراً مستحيلاً. وحتى سفير أمريكا في إسرائيل دان شابيرو صرح في يناير الماضي عقب صدور قرار الاستملاك أن مثل هذا القرار يتناقض مع نية إسرائيل المزعومة بإقامة دولة فلسطينية مبنية على الاعتراف المتبادل، فهذه السياسة تنقض حل الدولتين لأن فصلهما أصبح مستحيلاً بسبب المستوطنات، وتساءل ما هي استراتيجية إسرائيل وهدفها في المدى البعيد؟يحزنني أن أكون الإعلامية شبه الوحيدة التي تكتب عن هذا الموضوع، ويحزنني أن شابيرو سفير أمريكا في إسرائيل، سفير الدولة التي هي الحليف الأول لإسرائيل والحاضنة الأولى لتل أبيب، هو الدبلوماسي الوحيد الذي تناول ذلك الموضوع، بينما نحن كعرب مشغولون بقضايا أخرى، وما هذا المقال المكون من نحو 450 كلمة إلا تذكير للشعوب العربية وللإعلام العربي بأننا يجب ألا ننسى فلسطين.