ليس كل شخص يمكن أن يكون «قائداً متميزاً»، فالقيادة وسماتها أشبه ما تكون بحزمة متكاملة من المقومات، على رأسها تأتي «تركيبة» الشخص وشخصيته وما يتمتع به من «كاريزما» خاصة هو يولد معها ولا تأتي عبر التلقي. إلى جانب ذلك ما يحصده في رصيده من خبرات طويلة وتجارب غنية تشكل لديه سمات القيادة التي تتطلب نظرة خاصة للأمور، وأهلية لقيادة البشر. حينما ترى أي قطاع يعمل بأسلوب غير منظم، والبشر فيه تتبعثر طاقاتهم ولا يوجد لديهم توجيه صحيح، أضف إليه تدهور الوضع العام وتردي النتائج، فهنا لابد من البحث عن القيادة في هذا الكيان، وبالضرورة سنجد أن الخلل يكون من أعلى الهرم. وعلى العكس، حينما نجد الإنتاجية والإيجابية، ونجد توظيفاً صحيحاً لطاقات البشر، وسعياً واضحاً للتطوير وتحقيق النتائج المميزة، هنا لا بد وأن نبحث عن القيادة، والتي سيتضح بالضرورة أنها قيادة متميزة لديها من التخطيط الاستراتيجي الكثير، ولديها من قدرات قيادة البشر الشيء الذي يدرس. هذا على صعيد القطاعات أو أي منظومة يمكن أن تنطبق عليها السمات التي أشرنا لها، فما بالكم لو كانت النظرة أشمل وتعلقت بقيادة بلد أو منظومات العمل فيه، بحجمها وعدد طاقاتها البشرية وتباين العمليات فيها. إدارة القطاعات الحكومية في أي دولة عملية شاقة ومتعبة، خاصة في ظل المتغيرات اليومية، وضرورة بروز مشاكل ومعيقات هنا وهناك، بالإضافة إلى أنها مجهدة بسبب عملية «التوكيل» في أداء المهمات لطاقم كبير من المسؤولين من وزراء ووكلاء ووكلاء مساعدين ومديرين وغيرهم، جميعهم يفترض أن يحرصوا على أداء مهامهم بأكمل وجه بالصورة التي تترجم برنامج عمل الحكومة ورؤية الدولة، وأي تقاعس أو تلكؤ من فرد واحد من هذا الطاقم من شأنه أن يبرز السلبيات ويجعلها تطغى على السلبيات. لذلك فإن عملية المتابعة والتقويم والتوجيه التي يمارسها قائد هذا الطاقم مهمة جداً، وتتم بشكل يومي، وهو جهد وعبء لا يستحمله إلا من لديه سمات القيادة وقوة الشخصية وحصافة التخطيط. مبعث الكلام مرتبط بالجائزة الدولية التي منحها الاتحاد الدولي لمنظمات التدريب والتطوير لصاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان رئيس الوزراء حفظه الله كأول شخصية عالمية تنال الجائزة والتي جاءت تحت مسمى «القيادة المتميزة للعام 2016». طبعاً كلنا يعرف الأمير خليفة وجهوده الكبيرة التي قدمها لمملكة البحرين على امتداد العقود، وهو الذي مازال عطاؤه يتواصل ويستمر، ضارباً أبلغ الأمثلة في القيادة، والتي تأتي في أصعب مراحلها كما بينا أعلاه، من ناحية قيادة منظومة بلد تتشعب فيها المهام والوظائف والمسؤوليات، وتتباين فيها التحديات والعمليات والواجبات. جهود الأمير خليفة واضحة في عملية التنمية البشرية في البحرين، وهي الجهود التي خولته الحصول على أعلى التقديرات العالمية في هذا الجانب، يتقدمهم التكريم العالمي من قبل الأمم المتحدة لسموه. الاتحاد الدولي لمنظمات التدريب وضع سمة القيادة كأحد مرتكزات عمليات التنمية، وفي هذا الجانب لو سألت أي بحريني مخلص عن الأمير خليفة بن سلمان لقال لك على الفور بأنه أكثر مسؤول يثق به الناس، خاصة حينما ينزل بنفسه للناس ويتفقد سير الأمور ويوجه لتصحيح الأوضاع الخاطئة. جولات الأمير خليفة التفقدية لو أحصيناها لرأينا بأن عددها يفوق جولات حتى السادة الوزراء مجتمعين، دون نسيان التنويه إلى أن بعض الوزراء لم يرهم الناس إطلاقاً معهم على الأرض، وبعضهم لا يرون إلا حينما ينزل الأمير خليفة ليتفقد الأمور، فترى «البشوت» و»المراكض» من ورائه، والكثير من المرات يوجه الأمير لحل أمور يفترض أنها حلت منذ زمن قبل هذه الوزارة أو تلك، ولا تتحرك إلا حينما يتحرك رأس الحكومة بنفسه. رئيس الوزراء يقدم بنفسه نموذجاً حياً على المتابعة الدائمة والحضور الشخصي في مختلف المواقع، لكن مع ذلك نقول إن هذه المهام يفترض أن يقوم بها الوزراء من منطلق حرص كل واحد فيهم على القيام بعمله على الوجه الأكمل، وهنا نقول الحمد لله أن الدروس العملية التي يقدمها الأمير خليفة بان أثرها واضحاً على بعض المسؤولين الذين باتوا يبادرون بأنفسهم لفتح أبوابهم والنزول للناس وحل المشاكل قبل أن تتفاقم. لذلك دائماً ما نقول في الصحافة كوننا قريبين من الأمير خليفة، ولنا موقعنا الدائم في مجالس سموه وذلك تقديراً منه لدور الصحافة في ممارسة النقد البناء، نقول إن هذا الرجل مدرسة إدارية وقيادية محظوظ من يعمل بقربه، ومغبوط من يعمل وفق توجيهاته. القائد المتميز لا يكتفي فقط بالتوجيه ورسم الخطط، بل هو بنفسه يتحرك، ويقدم أنموذجاً حياً على القيادة التي لا تحصر نفسها في الكرسي، بل تجدها على الأرض تتابع هذا وتصحح ذاك وتستمع للناس بدون حواجز. يستحق الأمير خليفة هذا التكريم الجديد، ولو أننا كبحرينيين مخلصين نقول بأن خليفة بن سلمان هو التكريم الحقيقي لهذه الجوائز، فهو شخصياً يقولها بصراحة بأنه لا يهتم بأي إنجاز شخصي بل همه الأوحد البلد وشعبه المخلص الطيب.