منذ طفولتي وأمي تأخذني لذوي المعاطف البيضاء الذين يدخلون إبرهم الحادة في جسدي كل يوم.. منذ طفولتي كان إخوتي يأكلون ما يريدونه، بينما تضع لي أمي طعامي في طبق خاص صغير..أنظر لها باستجداء: ماما أنا جائع.. فترمقني بنظرة حادة تقول لي بها دون أن تنطق: أنت سمين.كنت دائماً محط الأنظار أينما ذهبت..وجودي دائماً يلفت الانتباه لدرجة أنني كنت أكره الذهاب للأماكن العامة..منذ طفولتي كنت أرى إخوتي يأكلون أنواع الحلويات التي يحبونها.. بينما أجبر على أكل طعام خاص غير لذيذ.. منذ طفولتي إخوتي يمرحون في الحي بعد المدرسة.. بينما أجبر على ركوب ذلك الباص القاتم الألوان لممارسة برنامج رياضي صارم.. كنت أكره كوني مختلفاً.. وأنني أسكن ذلك الجسد الذي لا يحبه أحد.. ويلفت الانتباه بضخامته.. فقد كان وزني يفوق أقراني بأضعاف.. وكنت مصاباً بسكري الأطفال ويجب أن أذهب كل يوم للمستشفى لتعاطي الإبر.. لماذا أنا؟ كنت أسأل هذا السؤال كل يوم ولا أجد من يرد علي..ولكنني مع الوقت تعودت على جسدي الكبير.. تعودت على السخرية والشفقة.. وتعودت حتى على الإبر فلم تعد توجعني.. وكنت أضحك بصوت عال على كل طفل يخاف الإبر كأنني آخذ بثأري من سخريتهم مني..أرى لافتات المستشفى.. وإعلانات الشوارع.. وعيون الناس تطاردني «لا للسمنة».. كأنها تقول لا لخالد!.. كم كانت توجعني هذه العبارة كأنها تقول إن كل شخص سمين مرفوض ومنبوذ.. نحن في مجتمع يسخر من كل شخص بدين.. فليذهب هو وشحومه لعالم آخر خاص بالبدناء! كنت كطفل لا أفهم كيف يطلب مني الجميع أن أتغير دون أن يتقبلوني.. أو يساعدوني.. لم يعلموا أن سخريتهم أو حتى شفقتهم كانت تزيدني سمنة!كنت أزداد كسلاً كلما كنت أحاول أن أبرع في أي نوع من الرياضة.. كنت أتعب بسرعة وأتصبب عرقاً وألهث من التعب.. لأنني ببساطة لم أكن أحب أي شيء مما أفعله أو أختاره.. لم أحب الأكل الخاص الذي تطهوه أمي لي كل يوم وتجبرني على تناوله.. لم أختر أو أحب الرياضة التي ألعبها.. ولم أحب فكرة أنني لن أكون محبوباً أو مقبولاً لدى الجميع إلا إذا فقدت وزني! صحيح أن بدانتي المفرطة جعلتني مختلفاً ولكن هل يعني ذلك ألا يحبني أحد؟!هذا ما كنت لا أفهمه كطفل صغير.. وعندما كبرت اكتشفت أن المجتمع والمسلسلات والإعلام يصور البدناء على أنهم إما أشخاص شرهون أو بطيئو الفهم أو شخصيات كوميدية مضحكة!لكنني كنت مختلفاً لأنني رفضت أن استسلم لهذا التصنيف السطحي الذي وضعني فيه الكثيرون وقررت أن أتغير.. وعندما تقدمت للزواج رفضتني أكثر من فتاة بسبب سمنتي المفرطة.. حتى حلمي بأن أعمل بالطيران لم يتحقق لأنني أعلم أنني لن اجتاز الاختبارات الطبية، وأنا داخل هذا الجسم الذي حصر الكثير من خياراتي في الحياة.. وهنا قررت لأول مرة في حياتي أنني يجب أن أتغير من أجل نفسي وليس من أجل إرضاء أي أحد آخر.. كانت هي الطريقة الوحيدة لكسب ذاتي وصحتي..قررت أن أكون مختلفاً بإصراري.. أن يكون التغيير قراري.. إرادة حياة تولد من رحم الاستسلام واليأس.. قررت لأول مرة أن أمارس رياضة أحبها.. وآكل ما أحبه ولكن دون إفراط.. وها أنا بدأت أفقد تدريجياً جزءاً من وزني الذي كان يحول دون صحتي ومستقبلي.. لقد كنت أفشل كل مرة لأنني أعرف أنني سأفشل.. دائماً كنت أرى نفسي أضعف من أن أهزم جسدي.. ولكنني هذه المرة سأنجح لأنني بدأت أستعيد ثقتي وحبي لذاتي كما أنا.. لقد كنت دائماً أريد أن أكون محبوباً ليس لأنني غير سمين، ولكن لأنني أملك الإرادة لتغيير مستقبلي.. مشوار صعب وصراع يومي مع كل مغريات الحياة.. ولكنني أعرف أنني سأتغير هذه المرة دون حلول سحرية.. لن أجمع المال لعمل عملية تكميم سريعة.. لن أتحايل على نفسي وأخبئ الطعام أو أتقاعس.أنا مختلف لأنني أنا من يريد أن يتغير بإرادتي.. أعرف أن مشواري صعب.. ولكن هذه المرة أريد أن أفقد وزني ليس إرضاء لأي أحد ولكن لأنني بدأت أحب نفسي ويجب أن أستعيد حياتي من جديد.. فأنا شاب ومازال الكثير في انتظاري..* استراحة:مازالت برامج التوعية والتغيير المجتمعي محصورة في الأساليب التقليدية التي تلوم الضحية وتفرض عليه التغيير بدل الأخذ بيده للتغيير.. هناك كثير من الجهود المجتمعية والحكومية، لكنها متفرقة وتحتاج منهجاً أكثر ابتكاراً وجذباً للتغيير..لماذا أصبح يروج لعمليات تكميم المعدة على أنها عملية سحرية جذابة وسهلة وهي عمليات جراحية خطيرة؟ بينما مازال نمط الحياة الصحي غير جذاب وشاق؟ نحتاج وقفة مراجعة لتسويق برامج التغيير المجتمعي لتكون أكثر جذباً للفئات المستهدفة.
Opinion
عملية تكميم إجباري!
24 مارس 2016