لست أوجه السؤال لأحد، بل أطرحه حتى يوجهه كل شخص لنفسه.الخيبات في العالم والفشل والتراجعات، وكل أمور سيئة تحصل سببها «خيانة الثقة»، وهي خيانة تنقسم لأنواع عديدة تعدادها لا ينتهي.ففي العمل أياً كان «خيانة» مبادئ العمل، تسبب الفشل، و»خيانة» الأصول الإدارية الصحيحة تقود لتراجعات مخيفة.وفي المناصب العليا والحساسة «خيانة» الأمانة تقود بالشخص للهاوية، إن لم تكن سقوطاً للهاوية من المنصب، فإنها تكون على شكل سقوط للهاوية فيما يتعلق بالسمعة المجتمعية والذكر الحسن، أو الأداء أو الضمير، وطبعاً أولاً وقبل الكل الوقوع في «مخالفة» الله سبحانه وتعالى.خيانة الثقة الزوجية تؤدي لفشل هذا الارتباط بالضرورة، و»خيانة» الواجبات الأسرية تؤدي لانهيار الأسرة.حتى في الرياضة، «خيانة» تعلميات المدرب، أو الالتزامات الصحية، أو التدريبات، كلها تؤدي لأداء سيئ أو انتهاء مسيرة اللاعب.وهكذا دواليك، تأتي الأمثلة في أي جانب يمكن طرحه، ليتضح فيها أن المبدأ الثابت والأساس يتمثل في مسألة «خيانة الثقة».طبعاً المحرك الأول لخيانة ثقة الآخرين يتمثل في خيانة الشخص لثقته بنفسه، ولسنا نتحدث هنا بشأن الثقة بالنفس عن العنجهية والتكبر والغطرسة والتعالي على البشر، بل حينما تفقد أنت الثقة بنفسك، وتكون عاجزاً عن الفاعلية والتحرك السليم أو الالتزام بمقومات السلوك الصحيح، أو أعراف وواجبات العمل.وعليه أقول إن «الثقة» هي الأساس، حياتنا لابد وأن تقوم على الثقة، بمختلف مستوياتها، فمجتمع خال من الثقة لا يعد مجتمعاً، والغابة تكون أقرب توصيف فيه، لأن الأخيرة فيها الثقة غائبة لذلك تحكمها عقيدة الغاب، ويبتلع القوي فيها الضعيف، أو تهاجم القطعان من يكون منفرداً فتمزقه.أعظم أنواع الثقة هي في الله سبحانه وتعالى، فهو الذي إذا مرضت يشفيني، وهو الذي جعت يطعمني، وهو الذي يكتب لك الخير ويقدر لك المحن والابتلاءات ليأجرك بها، لذا فإن خيانة الثقة بالخالق تودي بالإنسان للهلاك وتدخله في دوائر الكفر والشرك، وأصغر محظوراتها الإخلال بأحد أهم أركان الإيمان، وهو الإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره.على صعيد الدولة، فإن لدينا اليوم كمسؤولين «ثقة غالية» تمنح من رأس الدولة، وهنا نتحدث عن جلالة الملك حفظه الله بالنسبة لمستويات الوزراء والوكلاء والوكلاء المساعدين ورؤساء الهيئات، ومن رأس الحكومة من سمو رئيس الوزراء حفظه الله للمديرين ومن في حكمهم.كل هؤلاء أصحاب المناصب لديهم أمانة يؤدونها للدولة، ولديهم رسالة يعملون وفقها، ولكن قبل كل هذا عليهم «صون الثقة» التي منحت لهم، وأن يكونوا أهلاً لها، ويعملوا بموجبها، وألا يخذلوا من منحهم الثقة، لأن خذلان صاحب الثقة بالنسبة للدولة هو خذلان للدولة وللشعب الذي من المفترض أن يستفيد من حرص المسؤولين على أن يكونوا على قدر الثقة.لذلك أعود للسؤال أعلاه «هل أنت أهل للثقة»؟! وهنا لا يجب على الشخص أن يجيب الآخرين على هذا السؤال إن وجه له، بل عليه أولاً أن يقف مع نفسه، أن يخاطب ذاته، أن يسأل بصدق ويحاول أن يجيب بكل صدق وتجرد «هل أنا أهل للثقة»؟!نعم، هل أنت أهل للثقة؟! بينك وبين نفسك، هل أنت تستحق هذا الموقع الذي أنت فيه؟! هل أنت أهل لحمل ثقة الملك أو رئيس الوزراء ومن بعدهما الشعب في هذا الموقع الذي تتبوؤه؟! هل ستكون أميناً وصائناً صادقاً على هذه الثقة؟! هل ستعمل بجد واجتهاد وإخلاص لتحقق الأهداف المطلوبة منك، ولترتقي بقطاعك بما يخدم الدولة والناس انطلاقاً من هذه الثقة؟! هل ستكون أميناً كافاً، ويدك لا تمتد للمال العام، وإدارتك لا ترتكب فيها تجاوزات وفساد، لأنك حريص على هذه الثقة؟!ليس الناس من يذكرونك بالثقة، بل أنت من يفترض أن تتذكر هذه الثقة في كل لحظة وكل ثانية، إن كنت مسؤولاً دع كرسيك ومشهده يذكرك بأنه كان لغيرك ثم جاء لك وسيذهب لمن بعدك، فهل أنت أهل للثقة بأن تجلس عليه وتعمل وتتوجه بالنجاحات. وإلى غير ذلك من التطبيقات في حياتنا، في عائلتنا، مع أصدقائنا، في ممارساتنا اليومية، حتى في ساعات لهونا ومزاحنا، هل نحن أهل للثقة؟!المسألة أكبر من كلمة تقال، ومن جملة تورد، المسألة فيها مصداقية مع النفس، وأمانة وإخلاص مع الغير، بالأخص من وثقوا بنا واعتبرونا «أقوياء مخلصين» لنخدم هذا الوطن وأهله.