وجدت في زمن كان نمط الحياة ليس فيه من سهولة أو من وسائل تختصر الوقت كالتي نراها اليوم، بل منهن لم يكن في زمنهن خادمات، وبعضهن الآخر كان وجود الخادمة قد لا يعتبر شيئاً أساسياً حتى لو كانت موظفة، كثيرات منهن نمط حياتهن كان كالآتي، الذهاب للعمل بعد الانتهاء من تجهيز الواجبات اليومية الصباحية وتجهيز الأطفال وإعداد طعام الفطور، ومن ثم العودة لتجهيز الغداء، ثم تبدأ مهمات أخرى.تدريس الأطفال وتلبية متطلباتهم ومتطلبات الزوج، وترتيب البيت وتنظيفه، قد تشعر بأنها تحررت من كل أعبائها نهاية اليوم عندما تضع رأسها على الوسادة لتنام، وقد تنهض من غفلة نومها، على بكاء أحد أطفالها الصغار، في ساعات الفجر الأولى. ظلت على هذا النمط من الحياة عشرين أو ثلاثين سنة وبعد هذه السنوات وبلوغها سن التقاعد توقعت أن القدر سيرأف بحالها، فتتخلص من كثير من المسؤوليات والأعباء، غير أنها اصطدمت بالواقع وهو أنه «كلما كبر الأبناء كلما زادت المسؤوليات والهموم»، وأصبحت في طور مهمات جديدة أخرى، رعاية الأحفاد، أبناء الابن أو الابنة وقت توجههم للعمل والعناية بهم وتحضير ملابسهم وطعامهم، العناية بالابنة الحامل أو التي ولدت للتو، وإعداد الطعام لابنها إذا كانت زوجته تعمل، أو العكس لابنتها التي تعمل، وربما تتولى رعاية الأحفاد الصغار وفي الوقت نفسه لاتزال مشغولة بمتابعة أبنائها الصغار وهم يمضون رحلة الدراسة ثم البحث عن العمل!تقول لي إحدى الأمهات التي أصبحت جدة الآن «قلت إنني عندما أكبر سأرتاح، اكتشفت أنني بدأت في هم جديد!!»، ليس القصد هنا أن تربية الأبناء تجلب الهم والغم، ولكن القصد هنا حجم المسؤولية في العناية بهم خاصة مع التقدم في العمر، وربما الإصابة بالأمراض المزمنة، التي تتطلب الراحة والابتعاد عن ضغوط الحياة، كثير من الجدات يصلن لعمر قد لا يمتلكن من الصحة والطاقة ما كن يمتلكنه في فترة الشباب، وهذه سنة الحياة، غير أنهن يتحملن المشقة ويضحين لأجل أبنائهن وأحفادهن.أمهات قدموا الكثير حتى بعد أن أصبح لأبنائهن حياة مستقلة، وأصبحت هناك مسؤولية تحضير الطعام يومياً لهم ولأزواجهم والعناية بالأحفاد الصغار، هذه الأم التي تعطي كل ما لديها بلا مقابل، قد لا يتذكرها الأحفاد أو الأبناء، الذين أصبحوا آباء وأمهات، في مناسبة يوم الأم العالمي، رغم أننا شخصياً لا نحتفي كثيراً بمثل هذه المناسبات، بل ونطالب أن تقام تلك المناسبات بعيداً عن أنظار الأيتام أو أولئك الذين لديهم أمهات مرضى في المستشفيات أو ما بين الحياة أو الموت حتى لا تجرح مشاعرهم بعدم وجود الأم معهم، إلا أننا نجد أنه لا مانع من التذكير في غمرة احتفال العالم وكثير من أطياف المجتمع البحريني بيوم الأم بمكانة الجد والجدة والاحتفاء بهما في هذه المناسبة خاصة إن احتفى بها الحفيد وأبدى تقديره وتذكره لها، «أعز من الولد ولد الولد!».إحدى الجدات انقطعت عن العالم من أجل تربية أحفادها، فلما كبروا ودخلوا في مرحلة الشباب، بات منزلها خالياً، بل المؤلم أنهم في يوم الأم العالمي يحتفلون بأمهم التي أنجبتهم ونسوا أمهم التي ربتهم وحملتهم وهم صغار واعتنت بهم في كثير من الأوقات، ولم تكن أمهم التي أنجبتهم معهم بل كانت في موقع العمل! أمضوا حتى تخرجهم من المدرسة كثيراً من أوقاتهم في بيت الجدة، وعندما كبروا أصبحوا لا يذهبون إلى منزلها الذي بات خالياً إلا في المناسبات، وباتت الوحدة تقتلها.كنا شخصياً نتابع على برنامج «السناب» الهاتفي برامج الاحتفاء بيوم الأم، وكنا نطالع الكثيرات من الأمهات، وهن متجهات إلى مدارس أطفالهن، للمشاركة في احتفاليات يوم الأم، ووجدنا أن القائمين على هذه المدارس قد نسوا أهمية الأخذ في الاعتبار أن الجدة اليوم وفي ظل ظروف عمل المرأة هي الأم التي تربي، ومن الواجب عدم إهمال دعوتها وإشراكها في هذه المناسبات، كما لا يغفل أحد أن عاطفة الجدة وحاجتها للتقدير والتذكر يكون وقعها أكبر بكثير من الأم «ابنتها»، ولا ننسى أن كثيراً من الجدات يتعلقن بالأحفاد، ويهتممن بهم بطريقة أكثر من اهتمامهن بأبنائهن، وهم في مرحلة الشباب، فكلما كبر الإنسان كلما بات قلبه رقيقاً أكثر. نحتاج في مجتمعاتنا أن تبادر المدارس والمؤسسات بإشراك الجد والجدة في الاحتفالات التي تقيمها للاحتفاء بيوم الأم والأسرة، وللعلم تحرص وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع في الإمارات على تنظيم احتفالات بيوم الجد والجدة ضمن أهداف تفعيل المسؤولية المجتمعية لجميع فئات المجتمع، ومن أجل التواصل مع الأجداد وتعزيز التكافل الاجتماعي، وهي بادرة ممتازة تنم عن اتجاه يؤكد مكانة هذه الشريحة المجتمعية، وأهمية تقديرها وعدم إهمالها، كما تقيم مدرسة بيان البحرين النموذجية احتفالاً سنوياً بالأجداد من باب إرساء قيم الأجداد ومنحهم الشكر لما قدموه لأبنائهم وأحفادهم وكلها خطوات جميلة تحتاج أن تعمم في جميع المدارس والمؤسسات.* إحساس عابر:- إلى كل يتيم أو يتيمة، أمام انشغال العالم باحتفالات يوم الأم احتفل بأمك الراحلة على طريقتك، بالدعاء وإخراج الصدقات على روحها.- ليحرص كل واحد منا كل فترة على أن يهدي أجداده الراحلين الدعاء والصدقة وهي أعظم هدية لهم.