الأحداث والتطورات المتتالية في العديد من الأقطار العربية التي تواجه أوضاعاً بالغة السلبية، تطرح حقيقة وواقعاً مأساوياً مريراً يندى له ليس الجبين العربي وإنما الإنساني بحد ذاته، حيث نرى ونسمع عن أمور وقضايا وتطورات تؤكد إلى أي مدى ومستوى يتم الإستهانة بحقوق وكرامة الإنسان العربي.الأوضاع الوخيمة والمزرية في سوريا والعراق واليمن، وما يتم نقله من أخبار وتقارير مختلفة بهذا الصدد، يمكن اعتبارها شهادة إثبات بشأن تراجع الدور العربي في نصرة الحق العربي، وعدم وصوله للمستوى المطلوب بحيث يكون في مستوى الأحداث، غير أن تراجع الدور العربي لا يعني أن هناك ‌إهمالاً أو تغاضياً عن الأوضاع المأساوية وحالات الغبن والظلم من جانب معظم الدول العربية، وإنما هناك تباين في المواقف، رغم أننا نميل للاستشهاد بصورة خاصة بدور المملكة العربية السعودية ودول خليجية أخرى.ما يدور ويحدث في العراق من بعد الاحتلال الأمريكي من مآسٍ وكوارث وفظائع تقشعر لها الأبدان وتهتز لها الضمائر، تروي بحد ذاتها أكثر من قصة وقضية عما يجري في هذا القطر العربي، وأن ما يجري حالياً من حصار ظالم مفروض على مدينة الفلوجة المعروفة والمشهورة بنخوتها العربية الإسلامية وحسها الوطني المميز الذي لا ينكره إلا جاحد للحق، خصوصاً وأن هذا الحصار أشبه ما يكون بكلمة حق يراد بها باطل، ولا يوجد هنالك من أي صوت أو موقف ملموس يعلن الوقوف إلى جانب أهالي مدينة الفلوجة البطلة الأبية، خاصة من جانب أولئك الذين يصدرون الفتاوى تلو الفتاوى، بشأن الأوضاع المتعلقة بالعراقيين، أو أولئك الذين يملؤون العراق ضجة وصراخاً بشعاراتهم ومزاعمهم الوطنية، وكأنهم لم يقرأوا ولم يسمعوا يوماً بالحديث النبوي الشريف «من أصبح أو أمسى ولم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم»، وهو ما يضع أكثر من علامة استفهام وتعجب على مواقف هذه النماذج إزاء الشعب العراقي بصورة عامة، وتجاه مدينة الفلوجة بصورة خاصة.مدينة الفلوجة الشجاعة والأبية أثبتت وترجمت حسها الوطني والعروبي والإسلامي إلى أبعد حد، خصوصاً أثناء الاعتداء على الكوفة، حيث بادرت إلى تقديم المساعدات السخية لها، ووقفت بكل شجاعة وإباء إلى جانب الكوفة، رافضة الاعتداء عليها ومسها بسوء، كما أن مقارعتها ومواجهتها الاستثنائية للاحتلال وفرض إرادتها عليه أثبتت أن الفلوجة رمز نموذجي ورقم صعب، في المعادلة الوطنية في العراق، وإننا نرى أن ما يحدث حالياً لهذه المدينة الأبية وسكانها الأبطال، أشبه ما يكون بعقاب جماعي لهم على مواقفهم الوطنية الشجاعة.المرجع السيد علي السيستاني مدعو بصورة خاصة لكي يكون له موقف شرعي واضح وحاسم وحازم من الحصار الجاري ضد مدينة الفلوجة، ومن الضروري بل من الواجب أن يخرج عن دائرة الصمت والتجاهل ويضطلع بواجبه الشرعي بالانتصار لسكان المدينة، وعدم السماح بأن يؤخذوا بجريرة غيرهم، وأن تجاهلهم وإهمالهم يدفع لأكثر من سؤال فيما يتعلق بحقيقة وواقع الموقف الشرعي للسيد السيستاني من سكان الفلوجة وقضيتهم التي يجب الانتصار لها.وحري بالسيد مقتدى الصدر، أن يرجع بذاكرته إلى الخلف، ويتذكر المواقف الوطنية الشجاعة للفلوجة، وأن يبادر لكي يتخذ موقفاً وطنياً بمستوى المسؤولية، وأن يترجم مواقفه بحق من خلال ذلك، حيث إننا نرى أن الفلوجة اليوم قد صارت نموذجاً وعنواناً للصمود والبطولة والمقاومة الوطنية ونذكر السيد مقتدى بأن ما يجري اليوم للفلوجة يذكرنا بحصار مخيم الإمام الحسين في كربلاء، بعدما منع عنه وعن أصحابه وأهل بيته وأطفاله الماء، فنهض وقال «إذا كان ذنب للكبار فما ذنب الصغار؟».من هنا يا من تحاصرون الأعزاء الشرفاء في الفلوجة أي دين تدعون؟ وفي ديننا رحمة حتى رش القمح على الجبال حتى لا تجوع الطيور، وأي أتباع لأهل البيت تتلبسون وهم «يطعمون الطعام على حبه «، وأي ولاء لأمير المؤمنين علي توالون، وهو القائل: «هيهات أن يغلبني هواي ويقودني جشعي إلى تخير الأطعمة - ولعل بالحجاز أو باليمامة من لا طمع له في القرص، ولا عهد له بالشبع - أو أبيت مبطاناً وحولي بطون غرثى، وأكباد حرى، أو أكون كما قال القائل:وحسبك عاراً أن تبيت ببطنةوحولك أكباد تحن الى القدأأقنع من نفسي بأن يقال: هذا أمير المؤمنين، ولا أشاركهم في مكاره الدهر، أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش!أختم كلامي الموجه تحديداً لاثنين لا ثالث لهما..للسيد علي السيستاني لأنه المفروض أنه كمرجع ومقيم في العراق أن يهتم بما جرى ويجري في الفلوجة وهو المسؤول عنه لأنه أعطاه الشرعية وبالتالي سوف يتحمل مسؤولية التبعات.وللسيد مقتدى الصدر الذي يدعي الوطنية والدفاع عن أبناء العراق وها هي الفلوجة التي وقفت معك أثناء مواجهتك مع المحتل في الكوفة والنجف، وهم أبناء وطنك وتذكر شعارهم: «من الفلوجة للكوفة هذه بلدنا ما نعوفى»، فماذا أنت فاعل؟ والله من وراء القصد عليم، اللهم إني قد بلغت اللهم فاشهد.* الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي في لبنان