الإرهاب ضرب قلب أوروبا، وقبلها ضرب قلب الولايات المتحدة، وقبلها أيضاً ضرب قلب الخليج العربي في البحرين تحديداً. وفي جميع الحالات كان سبب موجات الإرهاب عبر القارات المختلفة هي الجماعات الثيوقراطية الراديكالية التي رفضت التعايش مع مجتمعاتها، وترى ضرورة تغييرها بما يتناسب مع أهوائها ومصالحها بالقوة لا غير.ليس جديداً ظهور الجماعات الثيوقراطية الراديكالية، فهي موجودة في مختلف العصور، ولكن الجديد أن العالم وصل إلى القرن الحادي والعشرين ولم يتمكن بعد من تجاوز نزعات التطرف.إشكالية الجماعات الثيوقراطية والتطرف معقدة، حيث تمتزج فيها الأيديولوجيا مع المصالح، وتصبح تدريجياً المصالح جزءاً أساسياً من الأيديولوجيا. لذلك عندما يكون الحديث متعلقاً بمناصب، يجب أن يكون من يتولاها من كوادر هذه الجماعات، لأن الأيديولوجيا تحثهم على تحقيق ذلك، مجرد مثال بسيط.الحاجة الدولية باتت ملحة لإعادة النظر في مستقبل الجماعات الثيوقراطية، وبحث كيفية إبعاد نزعات التطرف عنها، قانونياً، وفكرياً، وسياسياً، واجتماعياً، وتنظيمياً، ومالياً. لا يمكن لدولة واحدة أن تنهي نزعات التطرف من هذه الجماعات لوحدها، بل هي عملية جماعية تشترك فيها عدة دول ومنظمات إقليمية ودولية، مثل هذه الجهود من شأنها أن تسهم في تحقيق الهدف.مستقبلاً، يتوقع أن يتراجع نفوذ الجماعات الثيوقراطية تدريجياً بسبب اختلاط نشاطها بالإرهاب. حتى الجماعات الثيوقراطية المعتدلة ستواجه مثل هذا التحدي، ما يزيد من نفور الجماهير عنها، وفتور واسع في نشاط الكوادر الذين سيعانون من الاغتراب السياسي والاجتماعي في مجتمعاتهم العربية وحتى الأجنبية.لا يبدو أن الجماعات الثيوقراطية لديها القدرة أو القناعة بضرورة الشروع في مراجعات فكرية سريعة، وإن استغرقت وقتاً حتى يمكنها أن تتأقلم مع المستجدات، وأن تتجاوز حالتها السلبية التي دفعتها لأن تكون في دائرة الاتهامات دائماً.نتذكر جيداً كيف عانت هذه الجماعات خلال منتصف القرن العشرين عندما قرنت بما يسمى بـ «التخلف والرجعية والماضوية»، والآن اقترنت بالإرهاب، وكثير منها براء منه.للأسف الشديد لم تقم الجماعات الثيوقراطية بأدوار إيجابية نحو إبراز تعددية الدين، ونشر قيم التسامح، وقبول الآخر، فمثل هذه المفاهيم دائماً ما كانت في آخر قائمة الأولويات، هذا إن كانت في القائمة أصلاً. لذلك كلما ابتعدت هذه الجماعات عن هذه القيم والمفاهيم، كلما زاد اغترابها السياسي والاجتماعي.الباحث الراحل الأستاذ محمد البنكي كتب بعد نحو 6 سنوات من بداية الألفية الجديدة مقالاً هاماً تساءل فيه عن حقيقة وجود تيار «الإخوان المسلمين» بالبحرين في خمسينات القرن العشرين، وأثار المقال جدلاً واسعاً حينها، وسببه الانتقاد الحاد لحال الاغتراب السياسي والاجتماعي للجماعة. نستفيد من ذلك المقال الآن، أن الجماعات الثيوقراطية إذا لم تتأقلم وتتصالح مع مجتمعاتها، فإنها تدخل الاغتراب، وهي حال طويلة زمنياً، والاغتراب يفتح أبواباً للتطرف لا يمكن إغلاقها.