استكمالاً لمقال يوم أمس «لبنانية لكنها بحرينية من قلب» تأبى المتناقضات إلا أن تفجعك بحدة الألوان، فلا ترى نصاعة البياض إلا من حلكة السواد.كنت في رحلة عمل في دبي والتقيت هناك بأحد الكتاب المغاربة المعروفين «محكماً في جائزة محمد بن راشد للصحافة العربية»، ودار هذا الحوار..سألني عن البحرين فسألته بدوري هل زرتها؟ - نعم في مايو 2012.- في 2012؟ أي في عز الأزمة التي كنا نمر بها حين ذاك.- رأيت في البحرين شعباً راقياً ونهضة عمرانية وخدمات ميسرة وتنوعاً ثقافياً، والأهم كانت تلك الجولة التي قامت بها مضيفتي التي شاهدت بها البحرين من الداخل من سوق للخضار ومن مراكز صحية ومن خدمات إسكانية «علمت حينها أن (...) قامت بالواجب الوطني الذي لم يكلفها به أحد. - هذا من ذوقك.- لكنني تألمت لموقف ولا أدري إن كان ذلك ظاهرة أم حالة فردية؟- خير إن شاء الله؟- بعد أن أنهينا إجراءات المغادرة من الفندق تأخرت سيارة الجهة المضيفة لنا فعرض علينا الفندق أن يوصلنا بسيارته وبسائق من الفندق، فقبلنا أنا وزوجتي، وفي الطريق تحدث معنا السائق بشكل أثار ريبتنا، قال لنا أنا أعمل سائقاً لكنني حامل لشهادة الدكتوراه في الآداب لأنني شيعي فلا يسمح بتوظيف الشيعة للتدريس في الجامعة في البحرين!! ونحن هنا ويتحدث عن «الشيعة» نعامل كما يعامل السود في جنوب أفريقيا وأسوأ مما يعامل الفلسطينيون في إسرائيل! ثم أخذ يبكي وينتحب، فسألته في عز بكائه ما هو عنوان رسالة الدكتوراه؟ صمت للحظة لأنه فوجئ بالسؤال وتلعثم وسكت إلى أن وصلنا المطار.- حقيقة لا أدري ماذا أقول لك ولكن يمكنك أن تزور جامعة البحرين إن شئت وترى الواقع بنفسك، ولو أننا لا نحب أن ينظر إلى كفاءاتنا الوطنية وفق دينها أو مذهبها أو لونها أو جنسها.- لا يا سيدتي لا أحتاج أن أزور الجامعة لأنني أعرف العديد من أساتذتها وأعرف أنهم من الطائفة الشيعية الكريمة وهم أصدقائي ومن أطيب الناس.- الحمد لله لقد وفرت عليّ شرحاً، فلا هذا الشاب يمثل الشيعة ولا ما قاله يمثل الحقيقة.- صحيح لكن المشكلة ليست معي، المشكلة مع غيري ممن لم تتح له الفرصة مثلي أن يرى البحرين إلا من عيون هذا الشاب الذي يعمل في موقع حساس كهذا فأي انطباع سيخرج به عن البحرين؟ هذا أولاً، وثانياً كيف لمواطن تقدم له الدولة الخدمات التعليمية والصحية والإسكانية والضمانات الاجتماعية إما مجاناً أو شبه مجانية كما رأيتها بنفسي ولم أسمع بها فقط، وينكرها بهذا الشكل؟ وأي مستوى من الخدمات؟ إنها مستويات تفوق ما يقدم في أغنى الدول، وتحافظ في نفس الوقت على نسبة التضخم بهذا الشكل الذي يجعل الأسعار في متناول الجميع للطاقة وللغذاء.من يعرف دخل البحرين القومي ومواردها سينتهي بنتيجة يحمد فيه المواطن ربه على ما أنعم به عليه وتشكر فيه هذه الدولة على حسن إدارتها لمواردها، كيف له ألا يكتفي بنكرانها بل بالافتراء عليها، إنه شيء مؤسف حقاً. - لسنا المدينة الفاضلة هناك الكثير مما يجب إصلاحه.- أكيد وهذا متوقع ولكننا نتحدث عن معطيات واقعية موجودة تستحق الثناء ولا يضيرها إن كانت تحتاج التطوير والتحسين وسد النقص، لا أن تنكر بهذا الشكل ويفترى عليها فوق ذلك.- لا تعليق....... «انتهى الحوار»هل العيب فينا؟ في مناهجنا؟ في تربية أبنائنا؟ في أجندات سياسية عاثت في مواطنتنا فساداً؟ هل هذا الشاب حالة فردية أم هناك المزيد؟ هل هذه الأماكن الحساسة التي تتعامل مع ضيوف البحرين مراقبة من قبل الدولة «المرشدين السياحيين، سواق الأجرة، موظفي الاستقبال»؟ لا تقولوا «تحريض»؟ أو تقولوا تدس السم في العسل؟ أو تقولوا تتهم طائفة؟ أو أياً من المبررات المعروفة، أنا واحدة أخاف على وطني مثلي مثل 99% من شعب البحرين، وحين أسمع قصصاً كهذه أصاب بغصة فالبحرين لا «تستاهل» من يجازيها ويجازي عطاءها بهذا النكران حتى وإن كان فرداً، إلا أن الطوابير التي تصطف في جنيف وبروكسل تعتم على كل إنجاز وتضخم من كل خطأ وتعمم على كل تقصير تجعلني أتوجس من كل موقع تخاطب به البحرين الخارج وتتصل به.نحن لا نطالب أن نتجمل أو نرقع أو نزور الحقائق، نحن لا نطالب أن نحكي كلنا سياسة، كل ما نطالب به أن نرى البحرين بعين المحب، بعين كعين تلك اللبنانية التي حكت دون أن تحكي وروت دون أن تروي قصة البحرين، وهي السيدة التي لا تستلم غير راتبها وراتب زوجها ويعيشان حالة متوسطة، أعجزنا أن نرى البحرين مثلها؟ حقاً إنها لا تعمى الأبصار لكن تعمى البصيرة.
Opinion
عيون لا ترى
30 مارس 2016