الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هنأ الرئيس السوري بشار الأسد بالسيطرة على مدينة تدمر الأثرية. إيران هنأت سوريا أيضاً وشكرت روسيا. والأكيد أن روسيا وسوريا هنأتا إيران وقدمتا لها الشكر على كل شيء. اليوم روسيا وسوريا وإيران ثلاثة في واحد، ليس لهم رابع سوى «حزب الله» الذي بالتأكيد قدم التهاني للثلاثة وتلقى من الثلاثة التهاني والشكر. لكن روسيا وإيران و«حزب الله» لم يفعلوا ما فعلوه ولم يقدموا التضحيات من أجل عيون بشار الأسد، فلكل طرف من الأطراف الثلاثة مراميه التي يسعى إلى نيلها من سوريا والتي لولاها لوقفت ضد الأسد أو على الأقل وقفت على الحياد تتفرج وتنتهز الفرصة لتنقض على الفريسة.بعد قليل سيتبين لبشار الأسد أنه لا مفر من تقديم الشكر لروسيا وإيران و«حزب الله» ولكن بطريقة أخرى غير الكلام المصحوب بابتسامة، فهؤلاء ليسوا في حاجة إلى كلمة الشكر ولا لابتسامة بشار وسيقولون هذا في وجهه ومن دون تردد أو حرج، ذلك أنهم لم يفعلوا ما فعلوه إلا لأنهم يسعون إلى أمور معينة لولاها لما عرضوا بلدانهم للمخاطر ولآثروا السلامة.الأكيد أن بشار الأسد ليس غبياً إلى هذا الحد الذي يعتقد فيه أن روسيا وإيران و«حزب الله» يفعلون كل ذلك أملاً في كسب رضا الخالق سبحانه وتعالى، أو يفعلونه من باب مناصرة المظلوم أو الملهوف أو من باب المجاملة، فبشار يدرك جيداً أن لكل طرف من هذه الأطراف غايات معينة وأهدافاً يسعى إلى تحقيقها. بشار يعرف تمام المعرفة أن العمل السياسي تحكمه المصالح وأن لكل دولة أو حزب أو منظمة أهدافاً معينة يريد تحقيقها من خلال مساعدته للنظام. في العمل السياسي لا يقدم أي طرف للطرف أو الأطراف الأخرى أية مساعدة أو خدمة بغية كسب رضا الله جلت قدرته وإنما بغية تحقيق غايات معينة. وفي حال سوريا لولا تلك الغايات والأهداف والمصالح لما أقدم أي طرف على المشاركة في حرب مفتوحة على كل الاحتمالات، فلا يوجد دولة أو حزب تقبل بالخسارة فقط ليقال إنها ساعدت أو أغاثت أو أعانت سيناً أو شيناً، فهذا أمر غير وارد في العمل السياسي. العمل السياسي مصلحة، أي أن كل دولة تهدف إلى الكسب لا إلى الخسارة، وبالتالي فإن من غير المعقول أن روسيا بعدما رأت ما يجري في سوريا قالت في داخلها «تأبى المروءة» وأرسلت طائراتها وسفنها وجنودها لساحة المعركة، ومن غير المعقول طبعاً أن إيران قدمت كل ما تستطيع من جهد ومال فقط ليقال عنها إنها نصيرة المظلومين في العالم، والأمر نفسه فيما يخص «حزب الله» الذي صارت له أحلام وصارت له قوة تعينه على توجيه ما تريد إلى الوجهة التي تريد.روسيا ستحصل على قطعة من الكعكة السورية، وإيران ستحصل على قطعة أخرى، وكذلك «حزب الله». القطع لن تكون متساوية ولكن نظام الأسد سيعمل مضطراً على إرضاء هذا الثلاثي الذي يعلم تماماً أنه لولاه لضاعت سوريا منذ أربع سنوات، وهو ما أكده بشار في اتصاله مع بوتين حيث قال له ما معناه إنه لولا الدعم الروسي لما تمكن الجيش السوري من السيطرة على تدمر.لو كانت القصة بين هذه الأطراف الثلاثة وسوريا لما اهتمت القوى الأخرى بما تحقق أو قد يتحقق، لكن القصة هي أن روسيا وإيران و«حزب الله» لا يريدون تقاسم الكعكة السورية فقط ولكن تقاسم كعكات أخرى أيضاً، ولأن دولاً أخرى منها الولايات المتحدة لن تقبل بمثل هذا الأمر لذا فإن مشكلات كل دول المنطقة تتعقد يوماً بعد يوم ويبدو فيها الحل صعب المنال.