كل ما يجري من أحداث متسارعة وخطيرة للغاية في الشرق الأوسط -سواء كانت أحداثاً سياسية أو عسكرية- وعبر عقدٍ من الزمان يعتبر من أبرز المقدمات العلمية لعمليات التغيير المفترضة، وهي التي نطلق عليها اليوم بتقسيم المنطقة. فما هي دواعي التقسيم؟ وكيف يمكن له أن يتحقق؟ ومن هو المستفيد الأول من هذا التقسيم؟لاشك في أن شكل المنطقة الحالي لا يستطيع أن يقدم للغزاة والمستعمرين الجدد أكثر مما قدمه خلال 50 عاماً مضت، فكثير من المعادلات السياسية تغيرت وتبدلت، كما أصبح الكثير من الشعوب أكثر وعياً من ذي قبل، خاصة فيما يتعلق بأهمية وحيوية أوطانهم وقدرتهم على المنافسة، وأيضاً فيما يتعلق بالموقع الاستراتيجي لدولهم والثروات الطبيعية فيها والتي قد تعطيهم زخماً كبيراً للغاية في فرض رهاناتهم حول المستقبل، ولهذا كانت حتمية التقسيم لأجل إعادة شروط الهيمنة وتوزيع خيرات هذه الأوطان وتدويرها بشكل مختلف عما كانت عليه قبل إبان مرحلة الاستعمار الأولى، فجاءت فكرة التقسيم منسجمة وتطلعات الدول الكبرى لمرحلة الاستعمار الثانية، ووضع المنطقة في سياق الرأسمالية الجديدة والاشتراكية المعدلة.سيكون المستفيد الأكبر من تقسيم المنطقة إلى دولٍ ودويلاتٍ وهلالاتٍ وكانتوناتٍ مهترئة وضعيفة هي الدول التي تتطلع إلى أن تعيد صياغة وجودها العالمي من خلال بوابة هذا التقسيم الجائر، فكل الدول التي تساهم اليوم في حركة إضعاف دولنا وتمزيق شعوبنا عبر مشاريع سياسية وتفتيتية فتنوية هي المستفيد الأكبر من عملية التقسيم، ولهذا سيكون من الصعب أن تقسم المنطقة بأيادٍ أجنبية، فأوكلت هذه المهمة إلى مجموعة من القوى السياسية وبعض المجاميع الإرهابية والمتطرفة وبمساعدة قيم التطرف والإرهاب والطائفية، حتى استطاعت تلكم الدول أن تحقق الكثير من أغراضها الرامية إلى تقسيم المنطقة عبر مشاريع الفوضى وغيرها.الرهان الحقيقي لفشل مشروع التقسيم الغربي والشرقي لمنطقتنا العربية هو مدى إمكانية وعي الشعوب والأنظمة بحجم هذه المؤامرة، على الرغم من اختلافنا مع البعض في الكثير من التفاصيل المتعلقة بالحكم، إلا أن المرحلة القادمة تتطلب من العرب الكثير من اليقظة والحذر ومقاومة كل أنواع التقسيم، صغيرهُ وكبيرهُ، فهذا هو رهان الانتصار على المشروع الاستخباراتي الذي تعد برامجه في مطابخ الغرب السياسية منذ عهدٍ ليس ببعيد، والتي صرحت به من قبل السيدة «كونداليزا رايس» في حقبتها حين أكدت على الفوضى الخلاقة لتحقيق مشروع الشرق الجديد.ليتحقق هذا المشروع، يحتاج إلى المزيد من الدماء لتتضح معالمه بشكل جلي، وهذا ما نشاهده اليوم من مسلسل الأحداث الدموية الراهنة أمام أعيننا، ولإيقافه كذلك، نحتاج إلى مزيد من التضحيات والمقاومة السياسية وغيرها للإبقاء على وجودنا ودولنا بعيداً عن كل مشروع من شأنه تفتيت الوطن العربي إلى دويلات ضعيفة لا قدرة لها على رسم حاضرها فضلاً عن مستقبلها، وهذا الفعل من أبرز سمات الوعي التي يخشاها المستعمر الجديد، ففي انتباهتنا ستكون نهايته.