لفت نظري مقال في مجلة «الايكونوميست» البريطانية بعنوان «الطبيعي الجديد في أوروبا»، ويتناول المقال الهجمات الإرهابية التي تطال المدن الغربية بين الحين والآخر، ويخلص المقال إلى أن هذا الأمر سيصبح طبيعياً طالما هناك حروب في منطقتنا، وأن على السلطات في الدول الغربية أن تبذل جهداً أكبر بإشراك المسلمين في المجتمعات الغربية، حتى لا يلجؤون للتطرف ويقوم تنظيم الدولة «داعش» وأمثاله باستقطابهم.هناك أمران يخطران على بال قارىء المقال، أولهما، أنه لا يمكن للدول الغربية خاصة أمريكا أن تنحل من ارتباطاتها في المنطقة، ولها مصلحة مباشرة في استقرار المنطقة، وهذا أمر لم يكن واضحاً من قبل. بل نادى كثير من المفكرين مثل فريد زكريا بابتعاد أمريكا عن المنطقة، وترك المنطقة لتحل مشاكلها بنفسها، حتى أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما حين حاوره توماس فريدمان بشأن الاتفاق النووي الإيراني، عندما سأله عن سوريا أجابه بأن سوريا شأن عربي وعلى العرب حل مشاكلهم بأنفسهم.لكن الواقع الجديد يظهر غير ذلك، فالأوضاع في سوريا والإرهاب الذي ظهر، كل ذلك نتيجة فشل المجتمع الدولي في حل الحرب الدامية فيها، ومن ثم أصبح الإرهاب يطال الغرب، كما يطال بلادنا. الغرب لا يستطيع اليوم أن يقول إن الإرهاب مشكلة عربية، كما زعم فريد زكريا، محلل السياسة الدولية، لأن الإرهاب مشكلة عالمية، ولايمكن حلها إلا إذا تعاونت الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا مع دول المنطقة.الوقائع اليوم تظهر أن الدول الغربية عليها أن تأخذ دوراً أكثر فعالية في حل مشاكل المنطقة، وإلا ستصب تلك المشاكل عندها بشكل أو بآخر. ولا يكفي أن تعلن فرنسا حالة الطوارئ، أو أن تزيد الإجراءات الأمنية في المطارات، فالهجمات في باريس وبروكسل تظهر كيف لبضعة إرهابيين يعملون بشكل بدائي لكن منظم، كيف تمكنوا من اختراق الأجهزة الأمنية التي تعتمد اعتماداً كبيراً على التكنولوجيا الحديثة والمعقدة.مشاكل منطقتنا قابلتها مشاكل من نوع آخر في الغرب، وهي معضلة عدم اندماج الجاليات المسلمة وسط مجتمعات ذا نزعة عنصرية، لذلك فمنظومة «داعش» كما لاقت قبولاً بين المهمشين في العراق، لاقت أيضاً قبولاً بين المهمشين من مسلمي اوروبا. ولن يكون حلها بتكثيف الضربات الجوية على معاقل «داعش» في العراق وسوريا فقط، أو بزيادة الترتيبات الأمنية في المطارات الاوروبية. القضاء على «داعش» لن يحله سوى إصلاحات سياسية واجتماعية متكاملة تبعد الإنسان الطبيعي عن التطرف إن كان في منطقتنا أو في أوروبا. ولا شك في أن سياسات رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي دفعت المهمشين للارتماء بحضن «داعش»، وكذلك فعلت العنصرية بمسلمي أوروبا. فكيف يمكن للمسلم الفرنسي أن يشعر بالانتماء لفرنسا حين تشبه مارين لوبان وهي مرشحة لرئاسة البلاد بالمصلين في شوارع فرنسا بـ «الاحتلال النازي»! وكيف يمكن أن يشعر العراقي السني بالمواطنة حين لا يسمح له بدخول عاصمته بغداد، هرباً من فظاعة «داعش» إلا إذا كان لديه كفيل!حين تتوفر تلك الأوضاع الاجتماعية والسياسية الظالمة، هل برأيكم القوة والتكنولوجيا ستقدران على محاربة الإرهاب وحدهما؟!