أكثر شيء يؤلم أي إنسان حين يرى المعادلات مقلوبة. ومعنى الكلام، أنني حينما أرى تصريحات يمنة ويسرة، وشعارات تطلق بشأن عمليات تصحيح وإصلاح، ويعتريني الحماس، وأندفع بقوة لدعم هذه التوجهات، فإن ما يكسرني بالفعل هو رؤية التطبيقات تخالف هذه الشعارات وتناقضها بشكل فاضح. طبعاً الحياة ليست كاملة، والإنسان في النهاية تصدر منه الأخطاء وكذلك الإيجابيات، فهو ليس معصوماً في أفعاله وأقواله، وعليه فإن محاولات التصحيح والإصلاح تمثل تحدياً لكل من يريد التمثل بهذا النهج في عمله وأقواله. أجزم بأننا جميعاً نحب البحرين، وندعو لها يومياً بأن يحفظها الله ويديم عليها النعم، وأننا جميعاً المخلصون لتراب هذه الأرض نثق بملكنا الحبيب حفظه الله، ونؤمن تماماً بمشروعه الإصلاحي ومضامينه وأهدافه. بالتالي، انطلاقاً من هذه القناعات التي يفترض أن نرسيها كأساس لنا في كل شيء، يكون الواجب علينا العمل مع قيادتنا في تطبيق الشعارات وتنفيذ الطموحات. هناك أمور عدة، بالمرور عليها تاريخياً من واقع تجربة، نقول إن هناك نوعاً من التصحيح، لكننا في المقابل نقول إننا نحتاج لعمليات أقوى في هذا الاتجاه. لأجل مجتمع فاضل، يسعد أهله بالحياة الكريمة فيه، القائمة على الفضائل والإيجابيات، لابد وأن يتم محاربة الظواهر الخاطئة، لابد من عدم السكوت عن الأخطاء، وإيصالها للمعنيين، وهنا الجزم بقوة في أن قيادتنا حفظها الله معنا في نفس الاتجاه، بل هي الأساس له بدعوتها الدائمة للإصلاح ومحاربة الأخطاء. تقارير الرقابة المالية والإدارية تقدم خدمة جليلة في هذا الاتجاه، لكن ما يحز في أنفسنا كمتابعين، وحتى مواطنين، أن نقرأ مضامين هذه التقارير سنوياً ونندهش مما فيها، في المقابل نرى التعامل معها ليس بنفس درجة وحجم ما ينشر، وهذا ما يجعل الناس تمضي للقول إن عملية المحاسبة مازالت بحاجة لتقوية. قناعتي الشخصية بأن المال العام للدولة حرام لمسه دون وجه حق، وأن التطاول عليه يقتضي المحاسبة والمعاقبة، فالدولة وضعت المسؤولين ليعملوا من أجل صون مكتسباتها وتطويرها وخدمة الناس، بالتالي حين ينحرف المسؤول عن أداء دوره في صون ذلك وفي التمثل بتعهداته وقسمه وواجباته، فإنه كالذي يقول للدولة «أنا لست أهلاً للثقة»، وأن محاسبته واجبة. مرت علي حالات عديدة، إحداها كانت أمس، لمواطنين يكتشفون أموراً غريبة، وحالات أقل ما يقال عنها فساد مالي وإداري، لكن هناك نوع من القلق والخوف لديهم بشأن إيصال هذه المعلومات، بعضهم يخاف على رزقه، بعضهم يخاف من محاولات انتقام إن كانت المسألة ترد فيها أسماء لأناس لهم نفوذ وصلاحيات. العدالة تقول إن الجميع متساوٍ أمام القانون، وأن من يخل بواجباته وأمانته تجاه الدولة هو إنسان «مخطئ»، تتوجب معاقبته، وأن من يقوم بكشف هذه الأمور ويوصلها للقنوات الرسمية لابد وأن يقدر ويشكر، لأنه أدى دوره كمواطن صالح حركته غيرته على الوطن وخوفه على مكتسبات بلاده، والأهم حرصه على نجاح مشروعنا الإصلاحي. مشروع جلالة الملك حفظه الله راقٍ في مضامينه وأهدافه ومساعيه، كلمة الإصلاح ليست كلمة عادية، بل هي محرك قوي لممارسات الأفراد توجهها وتهذبها في اتجاه صحيح يخدم البلد، التصحيح يعني وقف الأخطاء والتصدي لها وإبدالها بالصحيح والإيجابي، ومحاربة الهدر المالي تعني الحفاظ على المال العام ومحاسبة من يستهتر به، وكذلك الفساد الإداري تعني إبعاد كل من يمارس الإدارة بطريقة خاطئة تسيء للبلد في حراكه العملي. لذلك كمواطن أحتاج اليوم لمن يخرج ويقول لي بصراحة ووضوح، ما هو دوري حينما أرى أمامي حالة فساد، ماذا يجب أن أقوم به لدعم الإصلاح الذي هو الركن الأساس في مشروع جلالة الملك، وهل أنا كمواطن بسيط لا نفوذ له سيتم ضمان عدم تضرري من قول الحق وإنكار المنكر الذي يضر بلادي؟!محبة الوطن لا تعني السكوت عمن يسيء له بممارساته، سواء أكانت ممارسات خارجة على القانون، أو مساعٍ انقلابية، أو حتى تجاوزات إدارية ومالية، محبة الوطن تكون بالعمل لمصلحة الوطن أولا وأخيراً، والتمثل بالواجب تجاه ملكنا حفظه الله ومشروعه الإصلاحي من منطلق إصلاح المجتمع ومحاربة الظواهر والممارسات الخاطئة فيه، ومن يمارسها.