مثلما القول الشهير عن الصحة بأنها «تاج على رؤوس الأصحاء لا يشعر بها إلا المرضى»، فإن الأمن نعمة لمن يعيشون في مجتمعات آمنة، لا يراها ولا يقدرها إلا من فقدوها وضجت مجتمعاتهم بالفوضى والقتل والتدمير. لنتذكر قبل خمس سنوات، ما الذي دفع شعب البحرين المخلص للالتفاف حول بعضه البعض، والوقوف صفاً واحداً لأجل الأرض ومع القيادة؟! كان المحرك هو الأمن، حينما سعى بعض كارهي الوطن لتقويضه، وضرب أمن المجتمع، وتحويل البحرين الآمنة إلى غابة وساحة حرب. الأمن هو أساس كل شيء، بدونه لا يمكن أن تستقيم الحياة، بل بدونه لا حياة من الأساس، وانظروا حولكم لتدركوا حجم تأثيره حينما يفقد من أي مكان، إذ هاهو العراق الذي بات من الاستحالة أن يستقر، وبات كثيرون يترحمون على أيام سابقة رغم ما فيها من قسوة وقهر، إلا أن الذي جاء بديلاً حل بدون أن يكون معه الأمن والاستقرار، بالتالي حال البشر تحول إلى معاناة وسعي لأجل البقاء على قيد الحياة، ولم يعد هناك مجال أصلاً للتفكير بالعيش، وفق مقومات العيش الكريم، ولا العمل من أجل بناء المجتمعات. أصلاً لا نحتاج للذهاب بعيداً أو النظر لأبعد من منطقتنا لندرك حقيقة ما نقول بشأن الأمن، فسوريا أبلغ مثال على تحول البلد لغابة يأكل فيها القوي الضعيف، وتضيع فيها حقوق البشر، ويعيش الناس دون ضمان بأن أرواحهم ستظل موجودة حتى نهاية اليوم. لذا نعمة الأمن من أهم النعم التي نحمد الله عليها في البحرين، هي نعمة لا تتحقق إلا حينما تدرك الدولة أهم أولويات البقاء، وحينما يتم الاهتمام والتركيز ودعم مثل هذه الأولويات. وعليه فإننا حين نتحدث عن أجهزة الأمن في البحرين لابد وأن نقيم «نعمة الأمن» تقييماً صحيحاً، بحيث يجعلنا هذا التقييم لا نقلل من شأن العمل المبذول والجهد المقدم لأجل استيفاء متطلبات هذه الحاجة الأساسية في حياة الشعوب. مبعث الكلام الذي أورده هنا، هو لحظات بسيطة مرت في ذهني وأنا أسترجع عبر شريط ذكريات سريع الأيام القليلة الماضية، والتي فيها احتضنت البحرين فعالية سباق الفورمولا واحد، أحد أكبر الفعاليات الرياضية العالمية، وكيف أن الاستضافة تكللت ولله الحمد بنجاح منقطع النظير، وكيف أن الفعاليات التي شهدتها البلاد سواء داخل الحلبة أو خارجها سارت بشكل سلسل وناجح، وأقيمت وسط أجواء آمنة. قد نستسهل الأمور، وقد نقول إن الوضع كان طيباً، وكافة الجوانب كانت ميسرة، والناس سواء المواطنين أو المقيمين أو الزائرين لم تصادفهم معوقات أو مشاكل لها علاقة بتأمين سلامتهم أو سلاسة تحركهم أوالاطمئنان في قضائهم لأوقاتهم. لكن مجرد التفكير في أن هذا الوضع لم يكن له أن يتأتى إلا نتاج مجهودات بذلت، وتضحيات قدمت، وحسن تخطيط وتفانٍ في العمل، يقدم لنا الصورة الحقيقية المتكاملة للجهود التي بذلت بشأن الملف الأمني المصاحب لمثل هذه الفعاليات الكبيرة. في الدول الغربية قد نجد علامات الاستنفار الأمني واضحة، يمكن أن نحس بوجود تحركات لقوات الأمن بطريقة تواكب حجم الحدث، ومعها قد يرتبك الناس ويخشون من وقوع شيء لا سمح الله، لكن في البحرين ومن خلال ما شهدناه في الأيام الماضية، كان الجميل هو سير الأمور بشكل رائع، ودون إحساس بالقلق من استنفار واضح المعالم لقوات الأمن. ما أريد قوله بوضوح، إن قوات الأمن في البحرين ممثلة في وزارة الداخلية تستحق كل الشكر والتقدير على ما بذلته من جهود في عمليات التخطيط والتنفيذ المعنية بتأمين الحدث العالمي، والحرص على سلامة مرتاديه، بل ومساعدة الناس والتسهيل عليهم في حركة السير وحتى في أجواء الحلبة سواء خارجها وداخلها، والأهم أنها قامت بكل ذلك دون أية تحركات تربك الناس، بل قدمته بصورة جعلت صورة رجل الأمن المبتسم جزءاً من حدثنا العالمي، بل وقدمته بصورة رمزية صريحة للزائرين بأن وجوده هو ما يبعث على الاطمئنان والأمن. هذه نعمة نمتلكها في البحرين، نعمة والله يحسدنا عليها كثيرون حول العالم، خاصة ممن يعيشون في مجتمعات غاب عنها الأمن، وضاعت فيها الحقوق. بالتالي وزارة الداخلية بوزيرها الرجل القوي ورجالها الأشاوس المخلصين، يستحقون أكبر جائزة تقديرية على دورهم المهم في نجاح الحدث العالمي، إذ حافظو الأمن ورجال القانون هم أساس ازدهار أي مجتمع ونجاحه، فشكراً لهم.
Opinion
لا يقدر نعمة «الأمن» إلا من فقدها!
06 أبريل 2016