كثر اللغط في الآونة الأخيرة حول أهمية تمرير اتفاقية «السيداو» من عدمه، فبين مؤيد ومعارض لهذه الاتفاقية الجدلية في أوساط المجتمع البحريني ومنظماته الدينية والمدنية، كان للدولة رأي آخر، ربما يكون هو الرأي الأكثر صوابية وموضوعية لأنه تمَّ وفق مسطرة عملية ترتقي والمسارات الدولية التي باتت تصوب مجهرها في اتجاه البحرين وغيرها من الدول العربية، بمعنى آخر أن الدولة كانت في هذا المجال أكثر وعياً بمجريات الأحداث والتغيرات في الحقل الدولي فيما يتعلق بحقوق المرأة ومدى الرغبة الأممية في تصحيح وضعها بغض النظر عن نوعية الدين الذي تتبناه الدولة.يبدو أن الحملة الجماهيرية المدعومة من طرف بعض الدينيين والسياسيين لم تكن موفقة كما أنها لم تكن منساقة وتطلعات الدولة ورغبتها الكاملة لأن تكون في سياق المعاهدات والاتفاقيات الدولية، كما يبدو كذلك من تصريحات بعضهم أنهم لم يقرؤوا نصوص الاتفاقية أو يستوعبوا بنودها بشكل جيد، إضافة إلى أنهم لم يقرؤوا رأي الدولة في بعض التحفظات التي أبدتها حول القليل من التفاصيل الخاصة ببعض التشريعات التي تتوافق أو لا تتوافق والشريعة الإسلامية.ليس هذا وحسب، بل هبَّ بعض الإخوة النواب مع «الهبة الجماهيرية» الأخيرة حتى من دون أن يستوعبوا ما يحدث حولهم ومدى معرفة رأي الدولة القانوني والتشريعي حول ما ورد في «السيداو»، ولهذا فإنهم أحدثوا صخباً عالياً ليرضوا وليُطَمْئنوا الجماهير أكثر مما كان همهم قراءة الاتفاقية بعينٍ علمية وتشريعية، فكان الصراخ سمة واضحة للجلسة الفائتة على حساب الوعي بأهمية التشريع الرصين.كان بالإمكان أفضل مما كان فيما يخص تسجيلهم لموقفٍ يمكن أن يكون أكثر موضوعية وعلمية حول اتفاقية «السيداو»، سواء بالنسبة للجمعيات الدينية والسياسية وكذلك بالنسبة للجمهور وبعض الإعلاميين والنواب الذين انساقوا خلف «الهبَّة» الشعبية حتى من دون التفاتهم لرغبة الدولة وموقف العالم منها في حال لم تقم بتمرير هذه الاتفاقية. البعض حاول وعن عمدٍ تضخيم المخالفات التي أوردتها «السيداو» ليقول للجمهور البسيط أنها ضد «الله» وضد التشريع الإسلامي جملة وتفصيلاً، بينما لم تكن المسألة تحتمل كل هذا الثقل الكريه من النقد غير الصادق والموضوعي، ليكتشف بعضهم لاحقاً أن الحملة الشرسة ضد الاتفاقية لم تكن سوى فقاعات دعائية لفلان أو للجمعية السياسية الفلتانية، وهذا أخطر ما في الموضوع.من حق الناس والجمعيات والنواب كذلك أن يبدوا وجهة نظرهم الصريحة حول الاتفاقية، كما من حقهم أن ينتقدوا كل بند لا يروه مناسباً لهم ولمجتمعهم، لكن شريطة أن يكون ذلك في سياق الوضع العام للدولة وعلاقاتها الدولية ببقية الدول التي وقعت على «السيداو»، إضافة الى أن يكون نقدهم للاتفاقية نابع من وعيهم واطلاعهم بكل تفاصيلها بعيداً عن تسييسها وأدلجتها لصالح فئة أو جماعة ولو على حساب مصلحة الدولة وربما مصلحة المرأة قبل كل ذلك.كما يحق لكل هؤلاء نقد الاتفاقية بكل وضوح على الرغم من عدم قراءتهم بنودها، يحق لنا نحن كذلك نقد هذا النقد بصورة علمية وبأسلوب أكثر لباقة ولياقة من السب والشتم والصراخ خارج نطاق المنطق، لنوصل فكرتنا بكل موضوعية بعيداً عن إعمال العواطف داخل المجتمع في سبيل تشريعات تحمي كيان الإنسان.