«عندما رأتني إحدى المدرسات حليقة الشعر.. في المرات القليلة التي أنزع فيها الخمار عن رأسي، ظنت أنني فتاة مسترجلة، أو متشبهة بالأولاد.. لكنني أجبتها بشجاعة.. لقد فقدت شعري بسبب العلاج الكيماوي.. أنا مصابة بالسرطان.. لا تخافوا مني، ولا تشفقوا علي، فقد عشت تفاصيل المرض، منذ أن كنت في الثامنة.. ربما كنت لا أفقه كل المخاوف المرتبطة به عند الكبار.. ولكنني عشت قسوته في نوبات المرض المضنية.. في الآلام المبرحة.. في الآمال التي تأكلها الآلام.. في جلسات العلاج الكيماوي الشاقة.. ولكنني كنت مختلفة.. لأنني كنت أريد أن أعيش وأرفرف بعيداً عن أنفاق الألم الضيقة بجناحين من ضياء النور.. أن ألعب.. أن أجري دون خوف.. كنت في لحظات كثيرة أضعف وأنهار تحت وطأة نوبات المرض المفترسة.. كنت أحن للعب.. لصديقاتي.. للدراسة التي تأخرت عنها كثيراً.. كنت أتوق لأن أكون طفلة طبيعية تقضي وقتها في اللعب أكثر من المستشفى.. تأكل الحلوى أكثر مما تأكل الأدوية.. ولكن مرضي أعطاني ميزة أدركها أكثر من حولي ممن يقابلون مرضي بالهلع والشفقة.. أعطاني الإيمان بالله وبقدري وبحكمة الله في هذا المرض.. وأعطاني الإرادة.. تلك الطاقة الجبارة التي تولد وأنا في قمة ضعفي.. وأنا منهارة بعد كل جلسة علاج كيماوي.. تولد تلك الهالة المنيرة داخلي وتقول لي: أنت تستطيعين.. تأكدي أن الله يحبك.. وأختارك أنت لأنك طفلة قوية شجاعة وستكونين ملهمة للكثيرين..».وسط الألم والمرض.. آخر ما يحتاجه مرضى السرطان هو الشفقة.. بينما هم يحتاجون إلى دعم نفسي لتعزيز مقاومتهم للمرض..إن أغلب البرامج التوعوية الحكومية تركز على التوعية بأعراض المرض والفحص المبكر لبعض أنواع السرطان الشائعة. ولا ننكر جهود الجمعيات التطوعية بعمل فعاليات مساندة لمرضى السرطان من الأطفال.. ولكن هل توجد خطة اتصالية متكاملة لدعم الأطفال المرضى بالسرطان نفسيا ومجتمعيا؟«السرطان».. كلمة يخاف الكثير من ذكر اسمها.. «اللي ما يتسمى».. أو»ذاك المرض»..فمازال مريض السرطان يتلقى جرعات من الشفقة أكثر من التمكين النفسي والمجتمعي..نريد برنامجاً استراتيجياً متكاملاً لا يطبطب على مرضى السرطان من الأطفال ويواسيهم.. ولا ينقل لهم دموعنا وشفقتنا عليهم بل ينقل لهم إيماننا بهم عن طريق قيمة إيمانية عظيمة وهي أن المرض ابتلاء من الله.. ويهيئ المجتمع لتقبل الأطفال المرضى مجتمعيا ويتفهم أنهم مختلفون ولكنهم جزء من المجتمع يجب أن نحتضنه ونشجعه لا أن نشفق عليه وندير رؤوسنا عنه.. وهنا لا بد أن أستحضر مبادرة طلابية مبدعة قامت بها طالبتا علاقات عامة بجامعة البحرين بعنوان «تأكد ربك يحبك».. كانت هذه المبادرة تحمل رؤية مستقبلية لكيفية تقبل ودعم الأطفال المرضى بالسرطان وأهمية الاستراتيجية النفسية في مواجهة المرض. كما توصل بحث تم عمله على عدد من مرضى السرطان من الأطفال وأولياء أمورهم إلى الحاجة إلى جانب نفسي واجتماعي ايجابي لمقاومة المرض لا تغني عنه الأدوية والعلاجات الطبية.* إلى إنسانة مختلفة:تحية خاصة إلى إنسانة ألهمتني بإرادتها.. وبروحها الخصبة الخضراء التي تحدت المرض بابتسامة، تحدت المرض ولم تعرف القنوط.. إلى جويرية النضرة.