عندما ترغب إيران في أن تفتح «صفحة جديدة» مع دول الخليج العربي وتسدل الستار على مشاكل عديدة تسببت فيها لدولنا الخليجية، فعليها أن تقدم ما يشفع بسلامة «نواياها» السلمية، وأنها ترغب «بالفعل» في العيش بسلام وأمن واستقرار مع دول الخليج. هذا الحديث يأتي تعليقاً على ما ذكر خلال الفترة الماضية من أن «إيران ترغب في إقامة حوار مع دول الخليج العربي، بعد الرسالة التي بعثتها من خلال دولة الكويت إلى دول مجلس التعاون الخليجي»، في الوقت ذاته لابد من اختبار مدى جدية إيران في مساعيها نحو تحقيق الأمن والاستقرار والبعد عن التشنجات والتصريحات العدائية والتهديدات التي تطلقها ضد دول مجلس التعاون والمستمرة لأكثر من 35 عاماً.الرسالة التي عبرت فيها إيران عن رغبتها في فتح حوار مع دول الخليج العربي، ربما تكون أمراً مقبولاً لكن بشروط، ونحن كشعب خليجي نميل بطبعنا إلى السلم والعيش بأمان مع جيراننا ولسنا من دعاة الفتنة والحروب والدمار.أعتقد جازماً أن دول الخليج العربي لا ترفض الحوار أبداً، فهو الطريق الأمثل والمتحضر لحل المشاكل وسد الفجوات واقامة علاقات وطيدة بينها وبين دول الجوار، ومن ضمنها إيران، لكن على إيران أن تكون جادة في هذا الحوار الذي من المفترض أن يجنح بها إلى السلم مع دول الخليج، وهذه النوايا لابد أن تقترن بالأفعال، إن كانت رغبة إيران الحقيقية والفعلية التغيير وإرساء السلام والأمن والاستقرار.وإذا تحدثنا عن «الأفعال» فإن إيران مطالبة بالكثير من الأفعال، ربما المطلب الأول في «قائمة» الأفعال من الجانب الإيراني، هو إنهاء احتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاث المحتلة من قبل إيران منذ السبعينيات، فعليها أن تنهي احتلالها لهذه الجزر وتعيدها إلى دولة الإمارات. ثم يأتي مطلب آخر مهم وهو تصفية «الطابور الخامس» الذي جندته في دولنا الخليجية، والذي أصبحت أفعاله مكشوفة لنا بكل وضوح، ونحن في البحرين لمسنا ذلك، وعشناه على أرض الواقع خلال أزمة 2011، فهؤلاء تم تدريب أغلبهم بإشراف الحرس الثوري الإيراني وما يسمى بـ «حزب الله» اللبناني الذي يعد احد الأذرع الإيرانية التي تعول عليها كثيرا لخدمة أجندتها الطائفية في المنطقة. أيضاً إيران مطالبة كذلك أن توقف تدخلاتها في اليمن، والتي بسببها اضطرت دول الخليج العربي إلى الدخول في حرب من أجل الانتصار للشرعية، وعودة الحق إلى أصحابه بعد انقلاب المتمردين الحوثيين على الشرعية، وسعيه إلى تنفيذ الأجندة الإيرانية لتحويل اليمن الدولة العربية الأصيلة إلى «فرع» من الجمهورية الإيرانية ضمن مخططات استعمارية إيرانية كانت تريد التهام البحرين أيضاً. لا نريد التشكيك في النوايا، وعلم الغيب لا يعلمه إلا الله تعالى، ولكن الرغبة الإيرانية بفتح حوار تبعها أحداث لا تتناسب مع النوايا الإيرانية في فتح الحوار، فلا يعقل أن تطلب إيران دول الخليج بالحوار ثم يخرج مرشدها بتصريح يسيء فيه إلى البحرين، وأيضاً يخرج رئيس ما يسمى بـ «أنصارحزب الله» الجنرال سعيد قاسمي ويطالب «بضم البحرين لإيران»، إضافة إلى تهديدات رئيس الحرس الثوري اللواء محمد جعفري للبحرين والسعودية قبل أيام قليلة.ثم ماذا عن الأسلحة التي ضبطتها سفينتان حربيتان تابعتان للبحرية الأمريكية في بحر العرب لسفينة إيرانية محملة بأسلحة كانت في طريقها إلى الحوثيين في اليمن واشتملت على 1500 بندقية كلاشنيكوف، و200 قذيفة صاروخية، و21 بندقية آلية من عيار 50 ملليمترا؟! هذا إلى جانب تدخلات «حزب الله» الإرهابي المتكررة في الشأن الخليجي.فهل إيران مع كل تلك الإساءات - التي تلت رغبة فتح الحوار - مستعدة حقاً للتحاور مع دول الخليج العربي؟ نأمل بصراحة أن تصدق نوايا إيران وتساهم في ردم الهوة بينها وبين دول المنطقة، وعليها أن تدرك أن التأزيم ليس من صالحها.