فارق واضح وبيّن بين التغطيات الإعلامية لزيارة وزير الخارجية الأمريكي للبحرين، طبعاً بين الصحافة الوطنية المخلصة التي لم تروج يوماً لـ «دوار الانقلاب»، وبين من مازال يريد «إحياء» المنقلبين، حين يغفل ما قاله كيري عن تلك الجمعيات ويقلل من تصريحات جلالة الملك الواضحة والصريحة لمبعوث الرئيس أوباما، ويحاول التركيز على وجود لقاء جمع كيري بمن كان لهم دور في رفع شعار «إسقاط النظام». كلام جلالة الملك صريح وواضح وقوي خلاله لقائه بكيري، والحصافة لدى ملكنا تمثلت بالسرد التاريخي وبالأدلة لعلاقة البحرين والولايات المتحدة، والتي تعمل سياسات بعض القادمين إلى «البيت الأبيض» والمغادرين منه على إضعافها وهز روابط الثقة فيها. البحرين تعاملت بكل نظافة ووضوح وشفافية مع الطرف الأمريكي، ليس ذلك منذ اليوم، بل منذ عقود طويلة مضت، وأقل ما تتوقعه البحرين أن يتعامل معها «أصدقاؤها» بالمثل، لا أن نكتشف يوماً عبر وثائق «ويكيليكس» بأن سفارة واشنطن في البحرين تنسق مع معارضين لهم سوابق انقلابية وولاؤهم واضح لجهات خارجية، تنسق لكيفية إضعاف الحكم الشرعي في البلاد. وفوق ذلك، تحركات الدبلوماسيين الأمريكيين في الداخل، وأيضاً استقطاب واشنطن لمحكومين ومتهمين بتشويه صورة البحرين هناك في الأراضي الأمريكية، بل العمل على «تهيئة» بعض الكوادر عبر البرنامج الأمريكي الشهير الذي أطلقته كوندوليزا رايس لإعداد قادة الثورات والتغيير في دولهم. ملكنا حفظه الله لا يتكلم إلا بكلام الكبار، وعليه حينما يتكلم الكبير بأفعاله وأقواله، والكبير في قومه وشعبه موجهاً خطابه للغرب، تقرأ منه كيف يكون الكلام قوياً وواضحاً، في ظل المروءة العربية والشهامة التي تكرم الضيف وإن كان مسيئاً لك. تبقى «الحسبة» على جون كيري ومسؤوله باراك أوباما المغادر قريباً للمكتب البيضاوي بشأن رغبتهما في إدارة ملف العلاقات مع حلفائهما وأصدقائهما، بالأخص البحرين التي كانت ومازالت «أفضل» صديق لواشنطن، خاصة وأن الولايات المتحدة اليوم على لسانها دائماً قصة «محاربة الإرهاب وداعش»، ما يعني أنها تريد الدعم الخليجي والعربي مهما كانت الأثمان والتداعيات. جون كيري قال كلاماً واضحاً بشأن الانتخابات البحرينية، و»ألبس العمة» للجمعيات الانقلابية الهوى، بأنها هي من زادت الاحتقان الطائفي في البحرين عبر موقفها من الانتخابات، وهي نقطة صائبة، لكن كان حرياً بكيري أن يوضح أكثر، ويرينا مصداقيته بشكل أوضح، فالأحداث التي مرت بها البحرين قبل خمس سنوات، وشعارات التسقيط والتطاول على القانون وإشاعة أجواء الفوضى والإرهاب، وما صاحبها من استنفار إيراني واضح، أمور لا تغيب عن واشنطن ولا عن أجهزة استخباراتها، بالتالي البحرين عانت يا سيد كيري من إرهاب ممنهج وفي أجزاء منه دعم أمريكي لعناصر من قيادات هذا الإرهاب وصناع الانقلاب الفاشل. وعليه إن صدق الكلام بأن كيري استغل فرصة ظهر الخميس للالتقاء بمن تبقى من قيادات هذه المعارضة، فإن العملية تفسر على نحو واضح، خاصة بالنظر لعملية تغييب صور هذا اللقاء والتكتيم الإعلامي، وهو بأن انتخابات 2018 ستشهد محاولات للمشاركة، إلا أن وصلت الأمور - كالعادة - للتمثل بفتوى دينية للمشاركة في الممارسة الديمقراطية أو عدمها، أو إن استمرت عنجهية العناد والمكابرة ورفع شعارات «الصمود» الواهية، التي يريد لقادة الفوضى استمرارها على حساب الأبرياء من الشباب والمتابعين لهم المستغلين على هيئة «وقود محرقة». النقطة المهمة هنا، والتي لا يجب إغفالها تتمثل بأن الولايات المتحدة الأمريكية برئيسها باراك أوباما والمسؤولين الأمريكيين، ليسوا اليوم صاحب الصوت الأعلى والكلمات الأقوى، نعم هم أقوى قوة عالمية من ناحية التسلح والمال، لكنهم في مقابل توحد الصوت العربي الحاصل بقيادة الشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية سيفكرون ألف مرة في القيام بأمر يستثير الطرف العربي الخليجي الإسلامي المتوحد. لذا فإن الوقت حان لإعادة النظر في هذه السياسة الأمريكية التي تعمل في ظاهرها على التقرب من الدول بدعوة الصداقة، وفي الخفاء تعمل على دعم الكيانات والفئات الممتلكة لأجندات تضر بلدانها، والتي يحدثنا التاريخ عن بعضها فيقول بأن «تنظيم القاعدة» جاء بعد سطوع نجم أسامة بن لادن بعد أن تلقى هذا الأخير كل أنواع الدعم الأمريكي بهدف محاربة السوفييت، وأن حتى «داعش» هي صنيعة أمريكية لا محالة. حتى نحارب الإرهاب ونوقفه يا سيد كيري، على الولايات المتحدة أولاً أن تتوقف عن دعم الإرهاب وأصحاب الفكر الإرهابي والتطرف الديني في بلادهم، ولربما هي فرصة أن تبدؤوا من البحرين، بوقف هذا الدعم لمن احتل دوار مجلس التعاون يوماً، وأساء لرموز البلد ولكافة مكونات الشعب، وهتف لـ «إسقاط البحرين» التي لن تسقط بإذن الله.