مشهدان أزعجا المجتمع البحريني الأسبوع الماضي؛ المشهد الأول في غرفة تجارة وصناعة البحرين، في اجتماع التجار للجمعية العمومية، فكان ما كان من صراخ وتطاول وفوضى وأسلوب لم يشاهده الناس من قبل، بصراحة، يعز على المجتمع البحريني أن يرى هذا المشهد من نخبة راقية من تجار هذا البلد، أما المشهد الذي سبق الأول فهو الدراما الأسبوعية لبعض نوابنا في المجلس النيابي، نعم لقد اعتاد الناس على صراخ بعض النواب، وعلى تهديداتهم مرة فيما بينهم، ومرات مع الحكومة، ولكن لم تتعود آذان الناس أن تسمع كلاماً بذيئاً وكلاماً مشيناً يخدش حياء من تواجد بينهم ومن سمعه عبر بعض الوسائل، وهذا إن دل فإنما يدل على الفقر السياسي عند بعض نوابنا للأسف. لو كان الصراخ هو السلاح للإقناع لأصبحت جميع المجتمعات تصرخ وتتطاول على بعض «وبهبل أيضاً»، ولكن نعلم يقيناً أن الذي يتخذ من الصراخ سلاحاً فهو خاوٍ وحججه باطلة في تناول الموضوعات الجادة والمصيرية، فالصراخ دائماً يؤدي إلى عدم الاتزان في القول والفعل، ومثلما نقولها بلهجتنا الدارجة «يركبه الشيطان ولما يركبه الشيطان... يشطح»، وهذا الأسلوب أيضاً يتخذه بعض المسؤولين في اجتماعاتهم مع موظفيهم، حتى بعض أئمة المساجد والدعاة يأخذون من الصراخ منهجاً جاداً لتوصيل رسالاتهم للتوضيح والترهيب والترغيب أيضاً، فهم يتخذون من الصراخ قاعدة للإقناع والفوز في المناقشات والحوارات، بل يعتقد من يصرخ أنه إنسان موضوعي في تناول القضايا ويثبت أنه على حق دائماً، ومن المضحك أن أكثر الناس من يصدق أنه على حق هو نفسه الذي يصرخ، فهو يؤمن بنفسه وبأفكاره وبحججه أكثر من أن يصدقه الآخرون، ويوهم نفسه بأن الجميع مقتنع بما يقوله، وأن من ينتقده وينتقد أسلوبه وطريقته في تناول القضايا ما هو إلا إنسان حقود ولولا ذلك لصفق له الجميع على رجاحة عقله وعبقريته، بل يعتبرهم عثرة للوصول إلى النجاح وتنفيذ ما أبدى من رأي صائب لا يحتمل الخطأ أبداً!البعض ممن يتخذ الصراخ سلوكه في تناول القضايا يشكك بمن حوله دائماً، ويشكك في نوايا من يخالفه في الرأي والفكر، بل يسلك طريق الوعيد والتهديد، كما يفعل تماماً بعض نوابنا الأفاضل، والذي كنا نفضل أن يتخذوا درب الحوارات الجادة وأن تكون قناعاتهم هي الإيمان بما يتناولونه من قضايا، والأولى لمن يمثل صوت الشعب أن يتحلى بالرقي والتهذيب عند تناول أي مشكلة، وأن يكون على قدر من المسؤولية حتى في التلفظ بالكلمات، فالكلمات الجميلة والراقية بالتأكيد تدل على أصحابها، فالبعض صدمنا بسلوكه وهذا لا نرتضي أبداً أن يمثلنا، ونتمنى من رئاسة مجلس النواب أن تتخذ موقفاً إزاء ذلك، فأخلاق النائب مهمة عندما يناقش أي مسألة، فالاندفاع والصراخ والفوضى لا تحل المشكلة بل «تزيد الطين بلة»، ولربما يدل ذلك على سلوك يلازمه حتى بين أهله، القوة الحقيقية عند المناقشة هي احترام وجهات النظر والاعتراف بالخطإ في حال كانت فكرة الشخص لا تحتمل الصواب، وتبقى قبة البرلمان هي قبة تدعو للديمقراطية فهي المشروع الإصلاحي لجلالة الملك، حفظه الله، والأولى أن يحترم الجميع هذه القبة وأولهم أعضاء مجلس النواب.