الدعوة للحوار من قبل أية جهة أو أفراد أمر طيب لكن الواضح أنه «فات الميعاد»، فالحوار الذي تكرر مرات ولم يسفر عن اتفاق يصعب توقع أن يخرج المشاركون فيه بمفيد ينهي المشكلة لو عقد الآن. ما لم يتمكن المتحاورون من الاتفاق عليه في مراحل سابقة كانت فيها الظروف أفضل لا يمكنهم الاتفاق على أي شيء بعد كل هذه التطورات التي شهدتها البلاد وتشهدها المنطقة، وبعد تعقد المشكلة. لذا فإن الدعوة إلى الحوار اليوم تبدو وكأنها نكتة خصوصاً وأن الجميع يعلم جيداً أنها غير قابلة للتحقق.الدعوات للحوار اليوم تبدو وكأنها زينة يفتتح أو يختتم بها أي بيان يصدر عن «المعارضة»، وصائغو تلك البيانات يدركون أنها «لزوم الشيء» لا أكثر، أما الدليل على عدم إمكانية أن توصل هذه الدعوات إلى مفيد أو حتى يستجاب لها من قبل الأطراف الأخرى فهو أن البيانات نفسها تتضمن شروطاً مسبقة تعلم «المعارضة» أن أحداً لن يقبل بها.البيان الأخير مثلاً والذي صدر عن جمعية «الوفاق» قبل ساعات من بدء جلسة جديدة للاستئناف الخاصة بمحاكمة أمينها العام الإثنين الماضي تضمن الدعوة إلى الحوار واشترط «إطلاق سراح المسجونين والموقوفين»، وهو أمر تعلم أنه غير قابل للتحقق، والأمر نفسه بالنسبة للبيانات التي تصدرها الجمعيات السياسية الأخرى وتدعو فيها إلى العودة للحوار. الحوار لا يلتئم هكذا، ووضع الشروط للعودة إليه لا تقبله الحكومة ولا أي طرف آخر، عدا أن تطورات الأحداث التي تشهدها المنطقة والحال التي صارت فيها «المعارضة» لا تشجع الحكومة وأي طرف آخر على الاستجابة لهذه الدعوة، حيث الحوار يكون بين متكافئين وليس بين طرف قوي يقترب من السيطرة على كل الأمور وطرف ضعيف يقترب من رفع الراية البيضاء.ما لم تستغله الجمعيات السياسية في السنوات الخمس الماضيات لا يمكن أن تستفيد منه اليوم، وما لم تتمكن من تحقيقه في كل تلك السنوات وهي «قوية» لا يمكن أن تحققه اليوم وهي ضعيفة وتموج في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها. الأحوال تبدلت والرياح صارت ضدها ولاعبوها أنهكوا ولياقتهم لم تعد تساعدهم على التحمل. في وضع كهذا من الطبيعي ألا تستجيب الحكومة لدعوات الحوار، كما أن الأطراف الأخرى ذات العلاقة لا يمكنها أن تقبل بذلك. أيضاً فإن من سحب البساط من تحت أقدام الجمعيات السياسية ويحرجها لن يقبل بخطوتها هذه ودعوتها لأنه يعتقد أنه هو المعني بالأمر وليس الجمعيات السياسية وأنه هو «المعارضة» وهو الذي يقرر أن يعقد الحوار أو لا يعقد، ومن يضع الشروط ويفرضها.مؤسف القول إنه «فات الميعاد»، وإن هذا الباب قد أغلق ولم يعد للأطراف الأخرى الرغبة أو حتى القدرة على إعادة فتحه، ومؤسف القول إن الجميع صار يدرك أن مثل هذا الأمر لم يعد ممكناً وإنه لو حدث فلن يوصل إلى النتائج التي يتوقعها الداعون إليه. هذا مؤسف، ومؤسف أكثر إصرار الجمعيات السياسية التي تعلم أن هذا غير ممكن التحقق تضمين هذه الدعوة بياناتها الكثيرة والتي لم يعد فيها جديد يشجع الأطراف ذات العلاقة على التفاعل معها.اليوم لم يعد أمام «المعارضة» بكل تلاوينها سوى أن تخفض من سقف مطالبها وأن تعلن على الملأ بأنها ترمي إلى الإصلاح، وليس إلى إسقاط النظام، وأن تستجيب لصوت العقل وليس العاطفة، وأن تعمل انطلاقاً من أن عليها أن تعمل على ما يصب في مصلحة الوطن وليس ما يصب في مصلحتها ويخدم شعاراتها.المبادرة بأمر ما إيجابي، هو ما يمكن أن يخدم «المعارضة» وينفعها وليس تكرار الدعوة إلى الحوار.