تمر علينا هذه الأيام ذكرى يوم أسود غرقت فيه بغداد بدموع ودماء أهلها، وتوقف قطار تأريخها في محطة الاحتلالين الأمريكي والإيراني، لكنها ليست المرة الأولى فقد غرقت قبل أكثر من ثمانمائة سنة بالدماء، وثمة تشابه كبير بين سقوط بغداد بيد هولاكو عام 1258 وسقوطها مرة أخرى بيد العم سام سنة 2003، من حيث الأحداث والنتائج، لكن الأهم من ذلك هو العامل المشترك للسقوط والذي يهدد دولاً أخرى.عندما هجم المغول على بغداد بقيادة هولاكو استمروا بقصفها 14 يوماً حتى سقطت بأيديهم في 13 فبراير 1258، وكذلك فعلت أمريكا فقد قصفت بغداد 20 يوماً حتى سقطت بيدها في 9 أبريل 2003، ومع سقوط بغداد على يد هولاكو بدأت عمليات النهب والسلب وتخريب المدينة مباشرة على يد القوات الأرمينية والجورجية التي تحالفت مع المغول، ولم تسلم منهم حتى الجوامع والمقابر، وكذلك فعل جيش العم سام فقد جاء بمرتزقة من الخارج أحرقوا دوائر الدولة وخربوها وفتحوا الأبواب للصوص والسراق لينهبوا ممتلكاتها ولم تسلم منهم دائرة ولا مقر حكومي، في بغداد كان هناك ابن العلقمي ذلك الفارسي الذي قربه الخليفة المستعصم فجعله وزيره الأول، وكان يراسل هولاكو ويدعوه لغزو بغداد، وعندما تحرك نحوها كان يخبره بضعف دفاعاتها ويطلب منه الإسراع في الهجوم، وفي الوقت نفسه كان يوهم الخليفة بقوة دفاعاتها، وكذلك في غزو بغداد الأخير مع اختلاف بسيط وهو أن ابن العلقمي لم يكن في بغداد وكان خارجها ممثلاً بأتباع إيران الذين يسمون أنفسهم «بالمعارضة» يتوسلون أمريكا ويطلبون منها غزو العراق، وكان أتباعهم في الداخل ينتظرون دخول الغزاة ليصفقوا لهم.عندما دخل هولاكو إلى العراق أمن أهالي مدينتي الكوفة والنجف إكراماً لابن العلقمي لأن فيها أتباعه، وأوكل إليه تشكيل الحكومة الجديدة، وكذلك فعلت أمريكا عندما أمنت مدن أتباع من جاؤوا بها راكبين دبابتها، وذهبت لتتهم غيرهم بالإرهاب ودمرت مدنهم، عندما دخل هولاكو بغداد احتل ابن العلقمي دار «المثمنة» المطلة على دجلة والتي بناها أبو جعفر المنصور ووسعها المستعصم، وكذلك فعل أبناء العلقمي الجدد احتل كل منهم قصراً رئاسياً يطل على دجلة، بعد احتلال المغول بغداد بمساعدة الفرس انتهى دورها كعاصمة إمبراطورية كبيرة لتصبح مدينة إقليمية مهملة لم تمتد لها يد الإصلاح والتعمير بعد تخريبها وساد الرعب والتقتيل فيها فاضطر العديد من سكانها إلى الهجرة منها هرباً من الغزاة القادمين من بلاد فارس، وكذلك اليوم لم تعد بغداد عاصمة ذلك البلد الذي كان البوابة الشرقية للعرب وأصبحت مدينة يحكمها الغزاة وميليشياتهم.في الاحتلالين كان الفرس وأتباعهم العامل المشترك لإسقاط بغداد، وسيبقون عبر التاريخ خطراً يهدد أي مدينة يسكنون فيها أو ينسبون أنفسهم إليها فهم مشاريع خيانة وغدر للإطاحة بالمدن التي يعيشون فيها، تحت ذريعة وكذبة الاضطهاد الديني، فقد ذكر المؤرخ الإنجليزي روبرت مارشال في كتابه «عاصفة الشرق» أن المؤرخين الفرس كانوا يبررون خيانة ابن العلقمي بأنها كانت ردة فعل تولدت لديه بسبب اضطهاد الخليفة لأبناء الشيعة من جلدته، وعلى هذا الوتر يدندنون الآن في كل مكان.
Opinion
المدينة التي غرقت بدموع ودماء أهلها مرتين
13 أبريل 2016