بدأت الأصوات تتعالى من كل زاوية خليجية حول أهمية الاستغناء عن الشريك الغربي في المصير وتشكيل المستقبل بالطريقة التي تحمي بها دول الخليج العربي نفسها من كل أشكال الضعف والتقهقر في ظل المعطيات التي بين أيدينا، ولهذا فإن خيار الخليجيين بالاتجاه عكس بوصلة الغرب وتعزيز فرص التنمية والحداثة وبناء اقتصادات متينة ومضمونة بات وشيكاً، خصوصاً وأنها خيارات كثيرة وليست خياراً واحداً فقط كما سنتناوله في هذا المقال.ما ذهب إليه الزميل الأستاذ يوسف البنخليل في مقالته حول ضرورة فهم «الهند» كدولة عظمى صامتة بعيداً عن استحضار وجبة «البرياني» بات أمراً ضرورياً للغاية وليس ترفاً ثقافياً أو اقتصادياً، فالهند من الدول الناجزة إن لم نقل إنها من الدول العظمى التي بدأت تغزو العالم بصمت رهيب، بل بدأت اليوم في تصدير العقول إلى أمريكا وأوروبا والكثير من الدول المتقدمة، فلا شيء يمنع الهند من أن تتقدم نحو الأمام سوى أن تعلن أو تفصح في ختام هذا التقدم عن قدرتها الهائلة لتتبوأ مكانة عظمى بين الدول التي انشغلت بالنزاعات السياسية وباتخاذها النفط كمصدر وحيدٍ للطاقة في العالم، بينما لم يكن عند الهند الصامتة أي وقت تضيعه على هذه الخلافات والصراعات حتى مع جارتها التاريخية «باكستان» بذات الوتيرة التي كانت تملكها من قبل، إذ يبدو أيضاً أن باكستان هي الأخرى بدأت تعي اللعبة السياسية وإمكانية أن تخرج منها لتتوجه نحو استشراف المستقبل، وهذا هو التنافس الحقيقي الذي تطمع إليه كل من «الهنديتين».ربما وبسبب الصراعات السياسية والحروب العسكرية إضافة للفوضى التي ضربت المنطقة بسبب العديد من العوامل -ليس هنا المجال لذكرها- أخذت دول الخليج العربي في أن تشكل لها تحالفات دولية تتسق وطبيعة المرحلة، لكن هذا لن يكون مجدياً إلا في حدود الاستقرار الأمني أو العسكري، ومع ذلك فإن هذه التحالفات لم تثبت قدرتها الدائمة وبشكل مستمر على النهوض لأنها ترتكز على الكثير من المصالح وربما الأطماع الغربية في المنطقة، لكن من المهم لدول مجلس التعاون الخليجي أن تبحث عن شركاء في بقية المجالات الأخرى لتستطيع أن تثبت قدرتها على اختيار شركائها في المصير بعيداً عن النفط وسماسرة السلاح، ومن هنا سيكون الشريك الهندي أكثر الشركاء قدرة على أن يقوم بالكثير مما يقوم به الغربي دون مطامع. من المؤكد أن الهند كدولة عظمى تفتش عن مصالحها لكنها لن تقوم بذلك من أجل ابتزاز أو هيمنة مطلقة تفرضها عبر مشاريع تدار في مطابخ الاستخبارات العالمية كما يفعل الغرب، إذ إن هذه المهاترات ليست في وارد الهند.هنا يكمن استحضار الهند في واقعنا السياسي والمدني كدولة لها وجودها الكبير وتاريخها العريق، وعليه نستطيع أن نعيد صياغة وترتيب علاقاتنا معها في أقرب فرصة ممكنة للخروج من سياق الابتزاز الغربي. الهند، ليست وحدها القادرة على صنع هذا الإعجاز مع دول مجلس التعاون الخليجي، بل هناك دولة أخرى لها ذات القدرة على أن تكون الجناح الآخر والحليف القوي لنا إضافة لجمهورية الهند. «للحديث بقية».