سؤال يطرح نفسه لكل من ينتقد أو يتذمر أو يشكو الحال من الأوضاع المحيطة.. ماذا قدمت للإسلام وللأوطان؟ سؤال يتبادر إلى ذهني كلما عايشت أولئك المثبطين أو من تعلو على وجوههم علامات التجهم والكآبة والنظرات السوداوية.. سؤال أسأله لنفسي كلما حاورت أولئك الذين يتصيدون في الماء العكر ولا هم لهم إلا أن ينتقدوا نجاحات غيرهم، ويتعرضوا لشخوصهم.. وإن بادرتهم بالسؤال: ماذا قدمتم؟ فلا تجد الإجابة الشافية.. بل لا تجد لهم أي أصداء على أرض الواقع.. إنك لتستغرب أشد الاستغراب من أناس رسموا في مخيلتهم لوحة جميلة للمجتمع، وانتقدوا وأبرقوا وأرعدوا وهم يحاكون عالمهم الافتراضي داخل بيوتهم الخرساء!! في المقابل يفزع أهل الغرب لمحاربة الإسلام والتنصير في المساحات الجائعة!!
يقول المولى سبحانه وتعالى: «وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين * اتبعوا من لا يسألكم أجراً وهم مهتدون * وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون * أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئاً ولا ينقذون * إني إذا لفي ضلال مبين * إني آمنت بربكم فاسمعون * قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون * بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين».
هذه الآية تضرب لنا أروع الأمثال في السعي في الحياة وخدمة الإسلام ونصرة أهله، فهذا الرجل المؤمن سعى وبكل حماس وجدية لكي يكون خير سفير للإسلام بدعوة الناس للإسلام، فلم يقف مكتوف اليدين، بل سعى ليقدم شيء يخدم به دينه ويحصل من ورائه الأجر والتوفيق..
سئل الدكتور عبدالرحمن السميط رحمه الله: «ماذا بيد المسلمين أن يفعلوا؟ قال: «لا أشترط عليك أن تسافر وتدعو في بلاد نائية، بل أطلب منك أن تعمل الخير وسط عائلتك، ووسط الحي الذي تعيش فيه، وفي وسط مدينتك، حاول أن تكون صاحب رسالة وصاحب همة. تذكروا أننا في يوم من الأيام سوف نموت ويوم من الأيام سوف ندخل القبر، فماذا أعددنا لمثل هذا اليوم؟ ماذا أعددنا حتى ندخل الجنة وينجينا الله تعالى من النار؟ لا بد أن تكون لك رسالة ثابتة فحواها أن تغير هذه الدنيا حتى تكون عالم أفضل لكل الناس».
أنت في عملك.. تقدم صورة راقية لالتزامك بدينك وبرسالة الإسلام التي تحملها من خلال انضباطك في الحضور، واستغلال أوقات العمل بكفاءة وعدم إهدارها في توافه لا علاقة لها بمهام العمل، أو الاستغراق في محادثات «الواتساب» أو التنقل بين حسابات وسائل التواصل الاجتماعي.. أو التنقل بين المكاتب لتضييع وقت العمل في الأحاديث الجانبية مع الموظفين.. فأنت مطالب أن تجود عملك وتخلص فيه وتقدمه للمسؤولين في أبهى حلة، ثم مبادراتك الإيجابية بتقديم المقترحات المساهمة في الارتقاء بالعمل.. أما التزامك بأخلاقيات العمل وسرية المعلومات والحذر من التشويش ونقل الكلام بين موظف وآخر، فهي تعد من الأسس الراسخة التي حثنا عليها الإسلام.. ففي عملك عليك أن تبصم بصمة خير في كل مهمة تكلف بها، وبخاصة أولئك الذي يعملون في العمل الخيري والإنساني.. فيهمك أولا ابتغاء الأجر من المولى الكريم، فإن تشربت نفسك هذه القيمة استطعت أن تكون «فارس العطاء» الذي لا يتراجع في أسلوب عمله وعطائه مهما كانت الظروف، ومهما كانت المثبطات.. فلأنك «سفير الإسلام والوطن» فلا بد أن تكون متميزاً في عملك.
وفي أسرتك.. ماذا قدمت لأهل بيتك؟ وما هي رؤيتك لغرس القيم والخصال الحميدة في نفوس أسرتك؟ كن قدوة في أفعالك وأقوالك وقدم صورة رائعة وجميلة لمبادئ الإسلام وثوابته.. فلا تكن مجرد زائر للبيت تنام فيه وتستيقظ وتتناول طعامك دون أن تكون لك أي بصمات تذكر!!
وفي مجتمعك.. حاول أن تكتب رسالة سامية تنشرها بين كل أفراد المجتمع، فتكون فريقاً ينشر قيم الإسلام في كل بقعة من أرجاء هذا الوطن العزيز.. فالوطن بحاجة ماسة لسواعد فتية تخدمه وتقدم الخير في جميع أرجائه.. باستطاعتك أن تكون سفيراً لوطنك كلما وطأت قدمك في مساحة تهدف من ورائها صناعة أثر راسخ نحت معالمه على صخور الحياة..
كل واحد منا على قدر أن يقدم خدمة لدينه، فإنك أن عملت للإسلام واجتهدت لنصرته وسعيت للخير ونشرت فضائله، فإنك بذلك قد عملت لنفسك وصنعت منزلتك في الجنة.. يقول الشيخ محمد موسى الشريف: «اعملوا نصرة لدين الله وإياكم والتخلف عن هذه النصرة في كل ما تستطيعون في جوانبها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اعملوا فكل ميسر لما خلق له». فكل واحد يعمل في حدود ما آتاه الله تعالى من ملكات وقدرات ومواهب وفيما يستطيعه نصرة لهذا الدين العظيم وإعلاء لرايته في العالمين».