مليارات الدولارات رصدت من الخزينة الأمريكية لنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط منذ العام 2001، وأعلن الرئيس السابق جورج بوش الابن أن هناك حاجة استراتيجية لنشر مبادئ الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان في المنطقة للحد من التطرف وتزايد النزعات الأصولية.ماذا كانت النتيجة؟مئات المليارات ضاعت من الخزينة الأمريكية دون جدوى، فلم تنتشر الديمقراطية هنا في المنطقة، بل انتشرت الفوضى والدمار، وخسرت واشنطن ملياراتها. هل كان تقييم واشنطن دقيقاً حينها في عهد المحافظين الجدد؟ من تداعيات حال الخليج بدون الأمريكان تأكيد فشل النموذج الأمريكي للديمقراطية، فتلك التي بشّرت بها إدارة بوش والإدارات الأخرى المتعاقبة نتيجتها تقسيم الدول التي تُنشر فيها الديمقراطية بالمفهوم الأمريكي. لذلك نجد العراق وأفغانستان، وهو ما يدفعنا لفهم عدم حماس واشنطن لنشر الديمقراطية نفسها في طهران رغم توقيع الاتفاق النووي معها. الولايات المتحدة راهنت كثيراً على نشر مبادئها الديمقراطية، ولكنها لم تراهن على جدوى ظهور ديمقراطيات ناشئة قادرة على تأسيس نظام سياسي جديد يتحول تدريجياً إلى مستوى الديمقراطية الراسخة بما يتناسب وظروف واحتياجات المجتمع نفسه، ونموذجها الأبرز البحرين التي اختارت هذا التحول إرادياً بالشراكة بين كافة المكونات والنخب بمصالحها المتنوعة. نظرية الديمقراطية ليست مطلقة، بل هي أفكار جاءت نتاج التجارب الإنسانية وتطورت منذ عصور قديمة، وبالتالي لا يمكن فرض الديمقراطية من الخارج لأنها غير ممكنة، بل الممكن تأطيرها من الداخل بتوافق شعبي عام. مراكز الأبحاث الأمريكية لا تتحدث اليوم كثيراً عن فرص التحول الديمقراطي، بقدر اهتمامها بالتحولات الجارية في الشرق الأوسط، والخريطة النهائية التي يمكن أن تظهر عليها خلال الفترة المقبلة مع تزايد فرص التقسيم الجغرافي المتزامنة مع الفوضى. المعايير الأمريكية اشتهرت في عالم السياسة بازدواجيتها دائماً، والازدواجية الأشهر معاييرها تجاه التعامل مع القضية الفلسطينية. وآخر فصول هذه الازدواجية ما حدث في واشنطن العاصمة الأسبوع الماضي عندما تظاهر المئات من أنصار منظمة «ربيع الديمقراطية»، واعتقلت الشرطة الأمريكية أكثر من 400 متظاهر خارج مبنى الكونغرس تظاهروا من أجل «إنهاء سيطرة المال على الحياة السياسية»، وأعلنت المنظمة لاحقاً أن الاحتجاج يهدف إلى «ضمان انتخابات حرة ونزيهة». مثل هذه الازدواجية تعطي بعداً آخر وهو أن الديمقراطية الأمريكية باتت غير مرغوبة، فكما تعاملت واشنطن بضغوطات على البحرين، وصلت إلى حد فرض حظر على تصدير السلاح الأمريكي للمنامة، بسبب منع حكومة البحرين المتظاهرين الخارجين على القانون من التظاهر وممارسة الإرهاب، فإن واشنطن اليوم تمنع مواطنيها من أمام مبنى الكابيتول وهو بيت الشعب في العاصمة من التظاهر والتهمة هي «التجمهر وعرقلة المرور»، فعلاً معايير مزدوجية وقائمة على المصالح لا أكثر. مع فشل المشروع الأمريكي للدمقرطة، على دول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية الأخرى المستهدفة من هذا المشروع سابقاً عدم الانشغال بأفكار الديمقراطية والتحول السياسي بقدر الاهتمام بكيفية الحفاظ على الأمن والمكتسبات، وهذا لا يتأتى إلا بتحالفات واسعة النطاق إقليمياً ودولياً، وتعظيم القوة السياسية على شتى الأصعدة.