ضيقت القمة الـ 13 لمنظمة التعاون الإسلامي التي عقدت مؤخراً في مدينة إسطنبول التركية الخناق على إيران و»حزب الله» اللبناني، وحشرتهما في الزاوية، وجاءت تكريساً لعزلتهما التي تزداد يوماً بعد يوم، خاصة في المحيط الإسلامي، وزادت الضغوط عليهما بعدما أدان البيان الختامي الصادر عن القمة التي انعقدت على مدار يومين تحت شعار «الوحدة والتضامن من أجل العدالة والسلام»، بمشاركة ممثلين عن أكثر من 50 دولة إسلامية بينهم أكثر من 20 زعيماً، في مقدمتهم خادم الحرمين الشريفين العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح «تدخلات إيران في الشؤون الداخلية لدول المنطقة ودول أخرى أعضاء، منها البحرين واليمن وسوريا والصومال، واستمرار دعمها للإرهاب»، كما أدان البيان «حزب الله» «لقيامه بأعمال إرهابية في البحرين وسوريا والكويت واليمن ولدعمه حركات وجماعات إرهابية تزعزع أمن واستقرار دول أعضاء في المنظمة».وكانت القمة قد سجلت حضوراً قوياً لقادة دول مجلس التعاون الخليجي وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين وأمير الكويت اللذين أجريا لقاءات ومشاورات مع زعماء ومسؤولين بعدة دول على هامش القمة.وقد فضح البيان الختامي للقمة ممارسات إيران و»حزب الله»، وكشف عن الدور التخريبي لهما في المنطقة، لكن ذلك لم يأت من فراغ بل نتيجة جهد دبلوماسي كبير قامت به دول مجلس التعاون الخليجي في إقناع بقية الدول الإسلامية الأعضاء بخطورة إيران وذراعها العسكري على الأمن والاستقرار إقليمياً ودولياً، وهو ما يشكل نجاحاً دبلوماسياً لدول الخليج في محاصرة طهران والحزب اللبناني بشكل واسع في المنطقة.ولأن الصراخ على قدر الألم، فقد كشف المسؤولون الإيرانيون عن غضبهم من نجاح دول الخليج في التركيز على الدور السلبي الذي تقوم به إيران في المنطقة وتضمين البيان الختامي للقمة التدخلات الإيرانية المشبوهة في شؤون الدول الأخرى وبينها البحرين. لكن يبدو أن النظام الإيراني مستمر في تعنته، حيث اتبع نهج الخطابات التصعيدية تجاه دول الخليج وخاصة السعودية، وفشل في استغلال محاولات دول إسلامية استثمار مناسبة القمة لإذابة الجليد وتقريب وجهات النظر بين البلدين. وظهر تأثير وقوة البيان على المسؤولين الإيرانيين، وخوفهم من العزلة والحصار، من خلال مواقف وتصريحات، لعل أبرزها انسحاب الرئيس الإيراني حسن روحاني والوفد المرافق له أثناء تلاوة البيان الختامي الصادر عن القمة احتجاجا على بعض البنود التي تضمنها البيان. وأكدت وكالة «فارس» الإيرانية أن «روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف لم يشاركا في الجلسة المخصصة لتلاوة البيان الختامي للقمة الإسلامية». وأوضحت الوكالة أن «خطوة الرئيس الإيراني جاءت احتجاجاً على إدراج بنود ضد إيران والحزب اللبناني في البيان الختامي لقمة إسطنبول بضغوط سعودية».لكن صحيفة «سبق» السعودية أوضحت أن «الانسحاب جاء على خلفية ما يتضمنه البيان من إدانة للتدخلات الإيرانية والاعتداء على السفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد».وفي وقت سابق، شن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف هجوماً عنيفاً على السعودية ووضعها في مصاف الرئيس العراقي السابق صدام حسين، على حد زعمه. وشبه ما قامت به السعودية وحلفاؤها في قمة إسطنبول «بما قام به صدام حسين في قمة مماثلة في ثمانينات القرن الماضي». وقال ظريف «في تلك الفترة بادر وزير الخارجية العراقي طارق عزيز إلى إقرار بنود معادية لإيران بدعم من بعض دول المنطقة»، حاثاً على استخلاص العبر من الماضي، ومتسائلاً «انظروا أين طارق عزيز اليوم؟».بالتوازي مع ذلك، هدد مساعد الخارجية الإيرانية للشؤون القانونية والدولية، عباس عراقجي، منظمة التعاون الإسلامي بأنها «ستندم على مواقفها التي اتخذتها ضد إيران و»حزب الله»»، معتبراً أن «المنظمة تعاني من ضعف بنيوي، وهي واقعة تحت تأثير عدد من الدول التي تقوم بتوجيهها نحو أهدافها الخاصة»، على حد وصفه.ويبدو أن تصريحات المسؤولين الإيرانيين تعكس الأزمة التي يعيشها النظام الإيراني في عدم التفريق بين خطاب الثورة وخطاب الدولة، وعجز إيران عن الاندماج في محيطها الإقليمي، يظهر ذلك في تناقض واضح بحديث مسؤوليها عن وحدة الصف الإسلامي، في حين أن النظام الإيراني متورط في دعم الإرهاب في دول خليجية وعربية بينها البحرين والسعودية والكويت، وتدخل طهران المباشر وزعزعتها للاستقرار في سوريا والعراق ولبنان واليمن.وربما تدفع الإدانة الصريحة التي وجهتها الدول الإسلامية لـ «حزب الله» لقيامه بأعمال إرهابية ولدعمه حركات وجماعات إرهابية تزعزع أمن واستقرار دول أعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، وتصنيفه من قبل، خليجياً وعربيا بأنه منظمة إرهابية، إلى تقديم دول خليجية وعربية طلباً إلى مجلس الأمن بتصنيفه منظمة إرهابية دولية وحظره، خاصة بعد العقوبات التي وقعتها واشنطن على الحزب والتي استهدفت شركات وأشخاص مرتبطين به.* وقفة:أحيت قمة إسطنبول الآمال مجدداً في أن تنهض منظمة التعاون الإسلامي ثاني أكبر منظمة حكومية دولية بعد الأمم المتحدة، والتي تضم في عضويتها 57 دولة موزعة على 4 قارات، لتكون الصوت الجماعي للعالم الإسلامي وتستطيع صون مصالحه والتعبير عنه، في ظل الهجمات الشرسة ومحاولات التشويه المتعمدة التي يتعرض لها الإسلام من أعدائه.