بعد 13 عاماً من سقوط نظام الرئيس السابق صدام حسين، ماذا حصد المواطن العراقي الشيعي البسيط؟ ماذا قدمت النخبة السياسية الشيعية الحاكمة لذلك المواطن الذي ربما حلم بأنه سينعم بالحرية والرخاء بعد سنوات من الديكتاتورية، كان يشعر فيها كما يتردد، بالتهميش والإقصاء والظلم، فاستيقظ على مرارة الحقيقة حتى وإن أقنع نفسه بتذوق شهد الكذب، لكنه وجد نفسه يكابد عناء المعيشة يوماً بعد يوم في حيرة وتيه؟ربما عزف الكثير من شيعة العراق اليوم عن الاحتفال بذكرى سقوط نظام صدام حسين بعدما شعروا أن الأمر لم يعد مؤثراً كما كان في بداياته، خاصة وأنهم يعيشون خيبة أمل عميقة، وإحباطاً ويأساً من حكم الطبقة السياسية الشيعية الحالية، التي جلبت الخراب للبلاد، وفشل أمريكا في تنفيذ وعودها، منذ أن أنهت وحلفاؤها في 9 أبريل 2003 حكم «حزب البعث» للعراق، الذي استمر أكثر من 3 عقود، بغزو البلاد، وخوض حرب تعد واحدة من أكثر الحروب جدلاً، وأكبرها خسائر بشرية بين المدنيين في تاريخ العراق وتاريخ الجيش الأمريكي.نوري المالكي.. إبراهيم الجعفري.. مقتدى الصدر.. حيدر العبادي.. أحمد الجلبي.. إياد علاوي.. عمار الحكيم.. عادل عبدالمهدي، ماذا قدموا لشيعة العراق؟ أزمات اقتصادية خانقة تفاقمت أكثر في ظل استمرار تراجع أسعار النفط، مواجهة عسكرية مفتوحة طويلة الأمد مع تنظيم الدولة «داعش» الإرهابي الذي يحتل مساحات شاسعة من البلاد، احتجاجات شعبية متصاعدة، قتلى وجرحى في تفجيرات وهجمات دامية، انعدام الأمن، انتشار الفساد، تفشي الأمراض، القتل على الهوية، الفتنة الطائفية والمذهبية، الهيمنة الإيرانية على القرار العراقي، الخضوع والخنوع للبيت الأبيض وكأنه احتلال جاثم فوق صدر الشعب رغم انسحاب القوات الأمريكية في 2011. يبقى المواطن البسيط هو الضحية، خاصة بعدما أخفقت الحكومات التي قادها الشيعة وحكمت العراق على مدى 13 عاماً في تحسين المعيشة، كما أن انخفاض أسعار النفط، مصدر الدخل الرئيس لدى العراق، زاد من حدة الإخفاق. ورغم أن احتياطيات العراق من النفط الخام من بين أكبر الاحتياطيات على مستوى العالم، إلا أنه يقبع في المركز 161 من بين 168 دولة في مؤشر مدركات الفساد الذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية لعام 2015. من هنا ليس من المنطق أن يجبر المواطن الشيعي على تقبل فشل وأخطاء طبقته السياسية الحاكمة، ومن ثم يقبل بإهدار كرامته وإنسانيته المتمثلة في عيش كريم ويتنازل طوعاً بملء إرادته عن طموحاته وتطلعاته في بلد غني بالنفط لمجرد خشيته من عودة السنة لحكم البلاد!لقد ارتكب التحالف الشيعي خطيئة كبرى باعتماد الصبغة الطائفية لإدارة البلاد بعد حكم صدام حسين، وقيامه بتهميش وإقصاء السنة وعدم حمايتهم من ميليشيات نكلت بهم، وانتهكت أداميتهم، خاصة أن صدام حسين لم يكن سنياً بقدر ما كان رئيساً ينتمي لـ«حزب البعث» يخدم مصالحه ومصالح نظامه، حتى وإن توهم بعض السنة أنه كان يدافع عن طائفتهم ضد إيران، حيث تبقى جريمة غزو الكويت الحقيقة التي كشفت عورة ذلك النظام، وعلى السنة قبل الشيعة ألا ينسوا ما حدث في الكويت، وإن تناسى البعض فإن التاريخ لن يسنى!لعل الأزمة السياسية الأخيرة توضح إلى أي مدى بدأ التحالف الشيعي الحاكم في الانهيار، وقد تجلى ذلك في زيارة مكوكية سريعة قام بها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بداية الشهر الحالي إلى بغداد، استغرقت ساعات، دعماً لرئيس الوزراء حيدر العبادي الذي يجد نفسه معزولاً لدى القيادة الشيعية السياسية، بعدما فشل في تشكيل حكومة من التكنوقراط المستقلين والأكاديميين بدلاً من وزراء مرتبطين بالأحزاب الشيعية المهيمنة على السلطة. والملاحظ أنه في ظل الاحتجاجات الشعبية المتصاعدة والتي زادت من إرباك حكومة العبادي وتعميق الضغوط، دخول زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر على خط الأزمة بمباركة صامتة من المرجع الديني آية الله علي السيستاني ما يفسح الطريق لسلطة أخرى لرجال الدين في العراق بعدما عجز الساسة الشيعة عن قيادة البلاد، وكأن العراق ما بين دولة الدين ودولة السياسة، يتأرجح بين قرارات بغداد وفتاوى النجف، ويدير السيستاني والصدر دفة القيادة فتنتقل تقاليد الحوزة شيئاً فشيئاً إلى مبنى الحكومة. وربما هذا ما يخشاه الكثيرون من أن يؤدي زيادة نفوذ واتساع سطوة رجال الدين سواء القادمين من قم وطهران أو الذين يعيشون في النجف وكربلاء وبغداد والبصرة على الواقع العراقي في ظل غياب القيادة الرشيدة من النخبة السياسية الشيعية ما يؤدي لتحول البلاد وفق رؤية الأحزاب الدينية الحاكمة إلى دولة دينية شيعية حصراً.* وقفة:ما فائدة أن يحكمك بنو طائفتك بعد سنوات من الديكتاتورية، واهمين إياك برغد العيش، ثم يفشلون في الحكم فيقودون البلاد عقوداً نحو التخلف والتبعية والسقوط في الهاوية؟!أخشى أن يصحو شيعة العراق خلال سنوات قادمة من غفوة حكم الطبقة الطائفية على حقيقة تعبر عن الواقع بكل تفاصيله في أنه قبل 2003 كان هناك صدام واحد، وبعد 2003 أصبح هناك 50 صداماً!!