تفاعل العديد من القراء مع مقال طرحت فيه مقترحاً لوزارة مخصصة «للاتصال الدولي»، ولمزيد من التوضيح ولأهمية الموضوع نظراً لتوقيته وفي ظرفنا الذي اكتشفنا فيه ضعف وبدائية اتصالاتنا المدنية الأهلية الشعبية بالمجتمع الدولي، اقترحنا أنه لابد أن يكون للدولة دور في وضع الأسس التي تبنى عليها قواعد هذا الاتصال.فالاتصال بالمنظمات والحكومات وبقوى سياسية عابرة للحدود أصبح اليوم واقعاً فرض نفسه علينا دون أن نعد له العدة، ورغم مرورنا بأكبر أزمة تتعرض لها الدولة كان بابها هو «الاتصال الدولي» للأفراد والمؤسسات المدنية، إلا أننا مازلنا بعيدين عن وضع تصور واضح واستراتيجية شاملة تعيد ترتيب هذه الأمور المبعثرة وتسد تلك الثغرة الخطيرة التي مازالت مفتوحة دون راع.دلتنا الأزمة على ضعف إمكانات المجتمع البحريني ومحدودية مؤسساته على المسك بزمام أمور التواصل الدولي بالشكل السليم، ثم اكتشفنا أن منظومتنا التشريعية الخاصة بتنظيم هذا الاتصال مبعثرة ومشتتة وغير منضبطة وغير محكمة تلك التي تؤطر دستورياً وقانونياً عملية الاتصال وتضع الحد الفاصل بين ما هو مشروع وبين ما هو مجرم ويعد خيانة فيه، كما اكتشفنا أن اختراق سيادتنا واختراق أمننا يكمن في تلك الثغرات التنظيمية والمؤسسية التي تركت سائبة دون سياج قانوني فعاث فيها أصحاب الأجندات فساداً.ما مررنا به مؤخراً جعلنا نكتشف أنه لن يحمينا من التدخلات الأجنبية صوتنا وتمثيلنا الرسمي دولياً فحسب، بل يحمينا وجود مجتمع مؤسس على أسس مدنية وطنية أولاً، ووطنية هذه أضع تحتها ألف خط، وطنية تعرف معنى شرف السيادة والكرامة في اتصالاتها الدولية، ومن ثم تعرف كيف تستفيد من الاتصال الدولي بما يخدم تطوير وتنمية نفسها، ولا تترك هذه الحدود سائبة دون ضوابط حتى لا يستغل حق الاتصال الدولي ويدخل غزاة علينا كحصان طروادة.ولن نتمكن أن نمأسس عملية الاتصال وعدم تركها عرضة للاجتهادات الخاصة، أو عرضة للتدخلات السافرة أو عرضة للتمويلات المشبوهة، دون أن يكون للدولة دور، دور يعلق تلك المهمة بجهة تساءل نيابياً عن تقصيرها وعن أدائها، وزارة يناط بها مساعدة مؤسسات المجتمع المدني المعنية بالتواصل الدولي.ويكون لتلك الجهة مهمة أخرى معنية بها ومساءلة على التقصير فيها وهي عملية الترويج للإصلاحات السياسية البحرينية، ومعنية بتأطير عملية الاتصال تأطيراً دستورياً قانونياً، لتضع القواعد السليمة المعافاة ولتضع خارطة الطريق للمؤسسات المدنية ولتعين على تجميع تلك الجهود المبعثرة ومساعدتها في القيام بدورها ومنها تلك التي تأسست بعد عام 2011، وبالبحث لها عن صناديق تمويلية تقيها شر العوز وتحفظ لها استقلاليتها واكتفاءها، حتى إذا ما اشتد ساعدها وتمكنت من الاتصال والتواصل مع المجتمع الدولي تكون ذات حصانة وطنية تسمح لها بالاستفادة بحرفية من ذلك التواصل دون أن تمس سياج السيادة الوطنية.دور الدولة يجب أن يكون مركزاً في هذه الجهود عند جهة محددة، وزارة أو هيئة، تضم تلك الجهود الشعبية فلا تترك العملية منقسمة بين وزارة التنمية الاجتماعية تارة وبين وزارة الخارجية تارة أخرى وبين وزارة الإعلام تارة أخرى حين يتعلق الأمر بالترويج السياسي للدولة أو بين المجلس الأعلى للمرأة حين يتعلق الأمر بمؤسسات المرأة وبالشعبة البرلمانية حين يتعلق الأمر بالسلطة التشريعية، جهة حكومية واحدة تلم ذلك الشتات وتساعد جميع تلك المؤسسات المدنية الوطنية للتناغم والتوحد وفي عملها دون الإخلال باستقلاليتها، فلا يأتِ علينا يوم نتقاذف كرة مناقشة التقرير الدوري لحقوق الإنسان بين وزارة للتنمية تارة ثم للخارجية تارة أخرى في آخر لحظة لنقرر من سيمثل الدولة في تلك الاتصالات الدولية -هذا على سبيل المثال- ولا نترك ملحقياتنا وسفاراتنا في حيرة في كيفية مساعدة الوفود الشعبية التي تذهب لتمثل المجتمع البحريني المدني في تلك المهام، وأين هي الخطوط الفاصلة بين استقلالية تلك الوفود وبين دور الدولة المسؤول عن مساعدتها في الحدود التي لا تخل باستقلاليتها، أو في حيرة من تعدد مهام تلك الملحقيات والسفارات، إنما وزارة تعد كجهة تنسيقية تنظيمية جامعة للجهود الشعبية المدنية وجهة تعمل على تطوير أداء تلك الجهود المدنية وعلى الترويج السياسي للإصلاحات والخطوات الديمقراطية التي خطت لها البحرين.