انتهت أعمال القمة الخليجية الأمريكية في الرياض، والملفت للنظر فيها، هو مشاركة الرئيس الأمريكي باراك أوباما في جلساتها. وهنالك أسباب خفية لم تعلن عنها الإدارة الأمريكية دفعت أوباما للتوجه إلى الرياض، بطلب منه، وليس بدعوة خليجية لحضورها. لكن المراقب لمجريات الأحداث لا يصعب عليه تشخيصها وحصرها، فأمريكا في نهاية عهد الرئيس الديمقراطي تريد أن تعيد علاقاتها المتوازنة منذ عقود مع المملكة العربية السعودية، ودول الخليج العربي، بعد أن أصابها الجمود بسبب المواقف السلبية التي اتخذتها تلك الإدارة في كثير من الملفات الساخنة وتوجهها إلى حليف جديد كان بالأمس القريب العدو الأول لأمريكا!! وهو عدو كلاسيكي لدول المنطقة «إيران خامنئي»، بسبب منهجها العدواني وتدخلها السافر في الشؤون الداخلية، وتأجيجها الصراع الطائفي والاصطفاف مع الارهابيين والانقلابيين، ودعمها للمجاميع المسلحة الخارجة على القانون. لقد حط اوباما في الرياض ورحل ولم يلزم ادارته بشيء يثبت أن الإدارة الامريكية عازمة على الاعتذار او إعادة النظر في اخطائها التي ارتكبتها في المنطقة. لقد تشابكت وتعقدت خيوط اللعبة السياسة الأمريكية بحيث يصعب فكها وحلها من قبل أوباما وهو يغادر البيت الأبيض وقد وجد نفسه داخلها ومتورط فيها، وزيارة العشاء الاخير في نهاية ولايته لن تقدم او تؤخر شيئاً. لكنه أراد بزيارته جس النبض من قبل قادة دول مجلس التعاون الخليجي بشأن النهج الأمريكي لطمأنة أو تحذير من يخلفه، وتنبيه الإدارة الجديدة حول رضا أو سخط قادة دول الخليج من السياسة الأمريكية، وقد وصلت رسالتهم له من أول يوم، حيث أوكل خادم الحرمين الشريفين العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، عنه، أمير منطقة الرياض، باستقبال اوباما، وهذا في العرف الدبلوماسي ينم عن مدى تراجع العلاقات، وقد شعر الأمريكيون بتلك المهانة التي قوبل بها رئيسهم، وأشعلوا وسائل التواصل الاجتماعي خاصة «تويتر» من خلال تغريداتهم.ومن تابع المؤتمر الصحفي للرئيس اوباما يلحظ بوضوح أن كلامه كان إنشائياً حذراً، ليس فيه وعود أو تصريح من الممكن أن يعول عليه، وهو قريب من الكلام المعسول الذي يتشدق به الرئيس الإيراني حسين روحاني، وهو يتقمص دور المصلح الباحث عن السلام والوئام ومصالح الشعوب وحسن الجوار، ويبدو أن مبدأ التقية قد أتقنه أوباما وإدارته خلال فترة رئاسته بل ربما يفوق اساتذته الايرانيين وهو اليوم وروحاني وجهان لعملة واحدة. لكن ما يثير الانتباه هو تصريحات وزير دفاعه آشتون كارتر على هامش القمة عندما طلب من دول الخليج المشاركة في إعمار العراق بعد الانتهاء من العمليات العسكرية، وذلك كان قمة «الوقاحة» الأمريكية، فهل يريد ذلك الوزير أن يدلس علينا، وعلى المجتمع الدولي؟ فمن دمر العراق طيلة ثلاثة عقود غيركم؟ ومن أطلق لإيران العنان لتبتلع العراق وتجعله الحديقة الخلفية غيركم؟ ومن أعطى الضوء الاخضر للميليشيات وللحشد الشعبي ولتنظيم الدولة «داعش» لتعيث في الأرض الفساد غيركم؟ ومن أطلق يد الطاغية بشار الاسد ليبيد شعبه غيركم؟الإدارة الأمريكية في حالة ضيق اليوم من أمورعدة نهجتها دول الخليج دون الرجوع إليها، ربما في مقدمتها «عاصفة الحزم»، وأعقبها تشكيل «التحالف الإسلامي العسكري»، ومناورات «رعد الشمال»، التي بات من أولوياتها إنهاء التمرد الحوثي، وهو قاب قوسين او ادنى، ثم التوجه بحسم الملف السوري، وتقليم مخالب إيران، وآخرها ما ألمح إليه وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بإقدام المملكة على طرح السندات والأصول الأمريكية في الخزينة السعودية وتسيلها في حال ارتكاب الإدارة الأمريكية الحماقة وركوب مغامرة خطيرة في حشر اسم المملكة في أحداث سبتمبر، وتوظيفها سياسياً، مما يعني انهيار الخيمة الاقتصادية العالمية على رؤوس الجميع، وانفكاك النفط عن الدولار، او ما يسمى بالبترودولار، وذهاب الدولار إلى الجحيم. يبدو أن أوباما رجع إلى واشنطن بخفي حنين، لينهي دورته الرئاسية، بفشل يضاف إلى فشله، وليسجل خادم الحرمين الشريفين وقادة دول مجلس التعاون نجاحاً جديداً وليثبتوا للإدارة الأمريكية والعالم مدى تماسكهم، وأنهم رقم صعب لا يمكن أبداً للإدارة الأمريكية وغيرها من القوى العالمية تجاوزه.أما بخصوص ازدواجية التعامل الأمريكي، فقد كانت الرسالة واضحة جداً، فنحن وملالي إيران خطان متقاطعان وفكران ومنهجان لا يلتقيان. فعلى الإدارة الأمريكية الجديدة الاختيار وعدم المراوغة، فإما الاصطفاف مع دول الخليج وبسط السلم والتعايش والاعتدال، أو تمكين «الولي الفقيه» من نشر نهجه وتحمل وزر التطرف والتناحر والاقتتال!