الكبار، عادة ما يكونون قدوة للشباب، فبقدر وعي الكبار سيتشكل وعي الصغار، وكذلك نوعه وطبيعته ومادته، فحين ينشغل الكبير بقضايا مهمة ومصيرية ووطنية فإننا سنجد أن الشاب سيشيب على هذا الوعي بأهمية بناء المستقبل على حساب الماضي، وستكون القضايا الكبيرة هي مهنته التي ستشغل وقته وفكره وحاضره فضلاً عن مستقبله، وهذا الأمر يتطلب من الكبار تصحيح مساراتهم وضبط ساعاتهم نحو الأفق.الوطن لا يريد شباباً ينشغلون بالقضايا المذهبية والطائفية والسياسية التي تبعدهم عن بناء الواقع والمستقبل، كما لا يمكن أن يستفيد الوطن وبكل تأكيد من شباب يتسكعون في الشوارع وفوق الأرصفة ويهدرون أوقاتهم وطاقاتهم على أمور لا يمكن أن تنفعهم في هذا العصر المشحون بالعلم والثقافة والريادة سوى المزيد من تراكم الخيبات، كما أن انشغال الشباب بقضايا ليست ذات جدوى في طريق بناء الوطن تفقدهم مقاعدهم المخصصة للعطاء والريادة، وهذا الفعل يتطلب من الكبار أن يكونوا قدوة لهؤلاء الشباب في مسيرتهم نحو المستقبل، فبقدر وعي الكبير يصنع وعي الصغير ليتحول إلى كبيرٍ في عطائه وانتمائه وقدرته على قبول التحدي بعيداً عن شتائم المنتديات الرخيصة والدخول في لوثات السياسة أو على أرصفة الجريمة والمخدرات، وهذا الأمر من أكبر التحديات التي تواجه الشباب في عصر يعج بالفوضى كما يشع بالعلم كذلك.الخيار خيارنا والمستقبل لشبابنا، فأي تفريط يمكن أن يصدر من الكبار سيدفع ضريبته الشباب، وأية خسارة للشباب ستكون خسارة للمستقبل وللأجيال القادمة، ومن هنا تأتي مسؤولية الدولة ومنظمات المجتمع المدني وقبل ذلك الأسرة في بناء القاعدة والاهتمام بشبابنا من خلال الزَّج بهم في مشاريع تنموية وثقافية ورياضية وفكرية تبعدهم عن صراعات المصالح الشخصية والحزبية، والتفرغ للعلم والعمل.هذا المشهد الذي ربما يبدو «طوباوياً» نوعاً ما لا يمكنه أن يتحقق عبر الأمنيات والدعاء الخالص، بل يكون عبر خطط واعدة واستشراف للمستقبل والكثير من العمل الجاد، وما دون ذلك سيكون هذا الوعي بأهمية الفكرة الخاصة باحتضان الشباب مجرد أمنيات ساذجة أو نوع من الكلام الإنشائي الفارغ، وعليه يجب أن يتحمل كل من «الأسرة والمجتمع والدولة» مسؤولية الاهتمام بالشباب واحتضانهم بطريقة تضمن عدم خروجهم عن سكة العمل، وهذا الأمر يتطلب من الجميع عملاً جباراً في سبيل احتواء هذه الفئة التي يراهن عليها كل وطن وكل حكومة وكل مجتمع، فالشباب الذي يعرف ما يريده من الحاضر لأجل المستقبل هو الذي يمكننا أن نعلق الجرس في عنقه، ويمكننا أن نأتمنه على مستقبل هذا الوطن بعيداً عن كل الصغائر وسفاسف الأمور أو عبر ضياع بقية العمر في قضايا قد تجاوزها كل العالم قبل 500 عام.