ساذج من يظن أن ما يجري في العراق الآن هو صراع بين الفاسدين والنزيهين من أجل الإصلاح، فالصراع أساساً بين الفاسدين، أما النزيهون فلا وجود لهم في هذا الهرج والمرج، والصراع يجري على أمر آخر، الإصلاح فيه ليس أكثر من علامة تجارية مزيفة.باختصار يمكن توصيف الطبقة السياسية الحالية في العراق براكبي القطار، ذلك القطار الأمريكي الذي جلبته أمريكا معها عندما غزت العراق عسكرياً في عام 2003، وحملت به كل عملائها والخونة المتآمرين على العراق سواء كانوا عراقيين أو إيرانيين، وقررت أمريكا أن يكون ركاب الدرجة الأولى والدرجة السياحية فيه من طيفين فقط «الشيعة والأكراد»، وهؤلاء من احتل المقاعد الرئيسة في القطار، وهذا لا يعني أن قطارها لم يضم عدداً من العرب السنة فقد حصل ذلك، لكنهم ركبوا بصفة ماسحي الأحذية ومقدمي القهوة والشاي للركاب الأصليين، لتكتمل صورة القطار وركابه، وبدورهم يعرفون وزنهم وما هو مطلوب منهم، لكنهم قبلوا به لأن أكبر أحلامهم وأمانيهم كان ركوب القطار لمجرد الركوب معتبرين وجودهم فيه مكسباً كبيراً، وأقصد بهم «سنة العملية السياسية»، سواء المنظمين سياسياً منهم الذين ركبوا القطار قبل انطلاقه أو الانتهازيين الباحثين عن الفتات من الذين ركبوا القطار بعد وصوله المحطة، وواقعاً أصبحت العملية السياسية في العراق عملية محاصصة ليست بين أتباع الأديان والمذاهب والقوميات، بقدر ما هي محاصصة بين «شيعة إيران» و«شيعة أمريكا والغرب» و«الأكراد» و«سنة العملية السياسية» وهؤلاء دورهم تجميلي للواقع القبيح.أما حقيقة ما يجري اليوم فهو باختصار صراع شيعي شيعي بين «شيعة إيران» و«شيعة أمريكا» على المصالح، ولا دخل للإصلاح في هذا الموضوع، فإيران تريد الاستحواذ على العراق كاملاً، وأمريكا لا تريد لها ذلك وتريد إبقاءها في حدود معينة، خصوصاً وأنه كان من المقرر أن ترفع إيران يدها عن العراق مقابل الاتفاق النووي بينها وبين الغرب، وهو ما لم يحصل، والمضحك المبكي في هذه القضية أن كل فريق من الفريقين يستند إلى غوغائيين وسذج يحارب بهم في الشوارع، أما المخزي في الموضوع فإن «ماسحي الأحذية» وأعني بهم «سنة العملية السياسية» انقسموا إلى فريقين فريق مع شيعة إيران وآخر مع شيعة أمريكا، لأنهم لا يستندون إلى جمهور يحترمهم فالعرب السنة في العراق موزعون على المعتقلات وخيام التهجير وبلاد المهجر، ومن بقي منهم لا يعترف بهؤلاء ممثلين عنه، وأصبح ضحايا الصراع بين شيعة إيران وشيعة أمريكا هم ماسحو الأحذية، فعندما يضرب شيعة أمريكا ضربتهم فإنها تطيح برئيس البرلمان المحسوب على العرب السنة والتابع المطيع لإيران، والذي كان من الممكن أن تكون الإطاحة به محسومة لولا أنه ذهب إلى قاسم سليماني حاكم العراق الفعلي الذي فضل بقاءه في البرلمان، لكنها لم تحسم حتى الآن وهي خاضعة لصراع بين إرادة أمريكا وإرادة إيران.كان من المفترض أن يتم التخلص من خدم القطار منذ فترة لكن يبدو أن في الوقت بقية لبقاء ماسحي الأحذية في القطار.