الجدل والحوار والنقاش مع صاحب «عقدة الاضطهاد» لن يصل بك إلى نتيجة أو إلى تغيير في قناعاته، ستظل تناقش معه الفعل ويناقشك هو في ردة الفعل، هكذا إلى الأبد، دون كلل ودون ملل ودون منطق ودون معايير ودون منهجية للبحث أو تفكير أو عقلانية. «فعقدة الاضطهاد» تقف حائلاً بين صاحبها وبين المحاسبة العقلانية لأفعاله، بل وتجيز هذه العقدة لصاحبها أن يمارس الممنوع والمحرم والخطأ والجريمة طالما أنه «مظلوم» وللمظلوم «حقوق» ليست لغيره، و«للمظلوم» ترخيص لا يمنح لغيره.حتى خلاصه من عذاباته ومعاناته واضطهاده غير مرهون بتطوير ذاته ومراجعة نفسه، بل مرهون بمخلص أي بعامل خارجي ينتظره، أما نفسه فليست بلوامة، وعودت المخلص لها على سيناريو مرسوم مسبقاً حيث العودة لا بد أن تكون وفق المنظور التراثي لها في ظروف يملأ فضاءها الظلامات والاضطهادات والمعاناة، كيف لهذا العقل أن تتفاهم معه على البناء المستقبلي المزدهر الحيوي، وأن يكون هو عاملاً إيجابياً فيه، وأن يراجع تفكيره وخطابه وتصرفاته؟في مجتمعات محافظة مغلقة الدوائر جغرافياً واجتماعياً يبقى الحوار يدور داخل هذه الدوائر حول هذه العقدة وملحقاتها يحصنها من التفكيك والخلخلة والتشكيك، مغلقاً يتناسل ويجتر بعضه بعضاً، فإن كانت عقدة الاضطهاد موجودة في الذاكرة التاريخية تتناقلها أجيال، وموجودة في الذاكرة التراثية تتناقلها الجماعات، ويرضعها الإنسان منذ المهد وتستمر ماكينة توليدها تعمل بلا كلل 24 ساعة في اليوم على مدار الساعة من المهد حتى اللحد، تسحبه وتجره كلما حاول الفرار والخروج من طوق حمامتها لتعديه لطوقها، فكيف له أن يقيس الأمور ويقيم الأوضاع بعيداً عن حصارها؟للمراقب الخارجي أن يستغرب كيف توأد وتحارب محاولات الخروج عن الطوق؟ كيف تحارب وكيف تنبذ وتضطهد من بعضها بعضاً؟ يقال إن أكثر الناس قدرة على الاضطهاد هم من يشتكي من عقدة الاضطهاد، أي أنه يستنسخ ذاته.تستغرب من أفراد وضعهم المادي يقاس بالثراء وتعليمهم في أرقى الجامعات ومعيشتهم يحلم بها متوسطو الدخل لكنهم يشكون الاضطهاد والتحيز ضدهم؟تستغرب حين ترفع ظلامات الشكاوى من الاعتقال والمطاردة والتغرب، كفعل قائم بحد ذاته بعيداً عما ارتكبه من هو مطلوب أمنياً أو من أسقطت جنسيته أو من قبض عليه أو محكوم عليه، مستحيل أن يناقشك فيما ارتكبت أيادي هؤلاء إنما يناقشك في ردة الفعل القانونية على تلك الأفعال، عيناه لا تريان وأذناه لا تسمعان ولسانه ولا ينطق بالفعل بل بردة الفعل!!تفتح موضوع الاستحقاقات الوطنية يفتح لك موضوع التجنيس، تفتح معه الاستحقاقات الأمنية يفتح معك موضوع التجنيد، هل البيضة قبل الدجاجة أم الدجاجة قبل البيضة؟ ولن تصل معه لنقطة التقاء، فكيف لك أن تتحاور أو تتناقش أو تحاول أن تصل لنقاط التقاء بين خطين متوازيين، خط ينطلق من الأرض وخط ينطلق من الذاكرة، خط ينطلق مما حدث ويحدث وخط ينطلق مما هو مفروض.. الأمر ربما يحتاج إلى اختراق فكري ومواجهات علنية ومساجلات مستمرة ومتكررة ولا تيأس تحيي ملكة المحاسبة ونقد الذات الموؤودة عند أصحاب عقدة الاضطهاد.. ربما.. ربما تتمكن تلك المواجهات من فتح نافذة للأنوار الوطنية البحرينية.