عقدة الاضطهاد سجن وله حارسان، عقل وتاجر، عقل يمنع كسر طوق سجنك وتاجر يقتات على حبسك.يوم أمس تحدثنا عن ذي العقل الحارس الذي يتصدى لمحاولات كسر الطوق فلا تصل مع صاحب هذه العقدة إلى نقاط التقاء أو أنكما تتفقان على مرجعية أو على منهجية تنطلقان منها سوياً في مراجعة ذاتية تسبر غور الأزمة الذاتية هل هي نابعة من الداخل أو من عوامل خارجية؟ بمعنى هل مأساة أو أزمة أو مشكلة مدعي الاضطهاد من داخله من أفكاره من موروثه من اعتقاداته من سلوكياته من أفعاله من ممارساته؟ أم من مؤثرات وعوامل خارجية؟ عقل يعزز العقدة بقدر ما يحتاجها صاحبها لتنقذه من المحاسبة من المراجعة من العمل من الاجتهاد من التحرك طلباً للرزق، صاحب يريد الكسل والانتظار وعقل يريد أن يسترخي فتبادل الاثنان منافسهما، فإن فشل في العمل فالسبب هو الاضطهاد، وإن منع من موقع فالسبب هو الاضطهاد، وإن عوقب على فعل فالسبب هو الاضطهاد، هل هناك نعيم أكثر من هذا لصاحب لا يحب أن يفكر؟ هل هناك عقل كسول سيسمح لصاحبه أن يخرجه من هذا النعيم؟واليوم سنتحدث عن تاجر العقدة الذي يقتات من حبس صاحبها وينتهي رزقه وعمله ويخسر وظيفته وقوت يومه إن فك صاحب العقدة حبسه وخرج منه.رجال دين وكتاب ورؤساء تحرير وساسة وحزبيون لن يكون لهم موقع وسيتقاعدون وسيخسرون وظائفهم إن لم تكن هناك جماعة مضطهدة تحتاج لمن يتحدث باسمها، فهنا يبيع التاجر بضاعته، ولو اعتمد الفرد منا على عقله في محاسبة ذاته وعلى القانون في محاسبة سلوكياته وتصرفاته لانتهت حين إذ وظيفة هؤلاء تماماً.هناك سوق وتجارة واقتصاد قائم على حراسة عقدة الاضطهاد تحول بين صاحب العقدة وبين تحرير عقله، تعزز وتكرس الاضطهاد حالة معاشة تعينها على النمو والازدهار تبعية التاريخ وإسقاطاته لتجعل من فرد يعيش في الألفية الثالثة ابناً أو أخاً أو حتى أحياناً هو ذاته من كان مضطهداً قبل آلاف الأعوام، وتجعل من الآخر طاغية التاريخ، سوق رائجة لها مواسمها ولها أماكن عرض بضاعتها ويرتفع سعر السلعة في مواسمها عنها في غير تلك المواسم، كلما كانت قدرتك على استحضار التاريخ أكبر ارتفع سعر بضاعتك، كيف لمثل هذا التاجر أن يسمح للعقدة أن تنتهي ولصاحبها أن يفك الأسر ويخرج من محبسه؟ وهناك السماسرة والدلالون وهناك المؤجرون وهناك أصحاب الملك وهناك المقايضون واقتصاد قائم بذاته وبأدوات إنتاجه على الاضطهاد، إن ضاعت العقدة ضاعت السلعة الرئيسة، اعتماد تجارها عليها كالاعتماد على البترول، لم ننجح في تنويع مواردنا، تاجر عقدة الاضطهاد يصاب بالهلع إن قل الطلب عليها تماماً مثلنا حين نصاب بالهلع كلما نزل سعر البترول. ساسة وقيادات وزعامات وكتاب وأساتذة يرفعون على الأكتاف وينصبون فوق المنصات ويحلف باسمهم، هم لوردات ذلك السوق، دونه كانوا نكرات، منهم الموظف العادي، ومنهم من لم يكمل تعليمه، ومنهم من لم يفلح لا في وظيفة ولا في تجارة، ومنهم أصحاب الشهادات والمؤهلات العالية، ولكنهم دون ذلك السوق، لا تزيد دائرة معارف أحدهم عن أمه وإخوته وربما خالته حتى ساقته قدماه لهذا السوق وفتح «صندقته» يبيع عقدة الاضطهاد على المتبضعين، رأس ماله كلماته ومدة توقيف أو حبس تتراوح من شهر إلى سنة، فوجد تهافت الناس كل يستزيده من سلعته، وحين ازدهرت تجارته باع «الصندقة» وفتح متجراً وبعدها أصبح يمتلك مجمعاً تجارياً رواده طالبو العقدة.سوق للإدمان الاضطهادي يتبادل فيها رواد السوق بضائعهم يدفعون ثمنها من مستقبلهم ومن واقع يديرون له ظهورهم، فلا يرون وطناً يحتاج وعيهم وصحوتهم، ولا يرون شركاء ينتظرون اشتباكهم معهم، ولا يرون قانوناً مدنياً ينظم علاقاتهم ولا دستوراً ولا دولة، فكل ذلك مفاتيح للطوق والحبس الذي لا يريدون كسر قيده وربما يخشون مما بعده، فحراسهم حالوا بينهم وبين العالم الآخر. لن يكون لعقدة الاضطهاد عالم حقيقي به وطن حقيقي وشركاء حقيقيون واتصال بواقع معاش، ما لم تكن هناك شجاعة وإرادة لكسر الطوق، فإن الاختناق هو المصير فالسوق يزيد من إحكامه يوماً بعد يوم.
Opinion
سجانا العقدة.. عقل وتاجر
28 أبريل 2016