ما يحدث حالياً هو أن هذا الطرف يصطاد خطأ وقع فيه الطرف الآخر فيسعى إلى استغلاله ويعتبره نقطة في صالحه، ويعتبر أن الآخر تعرض بسبب ذلك إلى هزيمة نكراء. وما يحدث هو أن الطرف الآخر يفعل الشيء نفسه، فهو متربص له ينتظر اللحظة التي يقع فيها في خطأ ما ليستمتع بهذا الشعور، أما النتيجة فـ«مكانك سر» لأن كل هذا لا يؤدي إلا إلى مزيد من التعقيد ومزيد من الآلام. الطرف الأول «يلقط» عبارة لم يوفق فيها الطرف الآخر، وتعتبر خطأ فـ«يعايره» بها ويداخله شعور بأنه حقق بذلك انتصاراً، يستحق أن يقفز بسببه قفزتين في الهواء، وهو يصرخ جذلاً. والطرف الثاني يسجل قولاً صدر عن الطرف الأول، يمكن تفسيره على أنه سب أو تحريض أو تجاوز لقانون أو عرف، فيسعى إلى استغلاله أملاً في تنفيذ تلك القفزتين المصحوبتين بالصرخة الجذلى!مثل هذا الواقع يزيد مشكلتنا تعقيداً ولا يخرجنا منها ويوسع الفجوة ومساحة الاختلاف فيما بيننا ويفضي إلى العداوة، أو بالأحرى إلى مزيد من العداوة. هذا هو الطريق الخطأ الذي ينبغي أن نبتعد عنه فلا نسلكه. هذه حقيقة علينا أن نؤمن بها وأن ندرك أن السير في هذا الدرب نتيجته المنطقية تضر الجميع.مؤلم أن نصل إلى هذه المرحلة التي نصطاد فيها أخطاء بعضنا البعض ونعتبر خطأ الآخر انتصاراً لنا يستوجب الاحتفال به وعدم وقوعه في الخطأ هزيمة لنا. مؤلم أن يصل أهل البحرين إلى هذا المستوى المتدني، ومؤلم أن نرتاد هذا الطريق بدل أن نتعاون على إيجاد حل لمشكلتنا.لايزال لدينا ما يكفي من الوقت والفرص لنخرج من المأزق الذي صرنا فيه. اليوم لم يعد مهماً مناقشة أسباب ما حدث ولم يعد لائقاً تبادل الاتهامات ومعاتبة بعضنا البعض وإن كان صعباً تجاوز كل هذا، فنحن في النهاية بشر، لكن الأهم هو التفكير في إيجاد المخارج التي تعيننا على العودة إلى الحياة من جديد، على الأقل لنثبت أننا شعب لم يتغير معدنه ويمتلك ما يكفي من قدرات لمواجهة الصعاب. الكلام الكثير والتباكي ليس في صالح هذا الوطن، والوقت الذي نضيعه في تكرار ما قلناه مرات ومرات سيكون مفيداً لو خصصناه لمناقشة المشكلة وعملنا معاً على إيجاد المخارج التي ترضي الجميع أو على الأقل تحقق الحد الأدنى من مطالب كل طرف.هذا هو الدور المطلوب اليوم من الجمعيات السياسية ومن كل من يعتبر نفسه طرفاً وينبغي أن يكون له دور، والأكيد هو أنه ليس صعباً الاتفاق على اختيار هذا الطريق الذي لا يأتي منه سوى الخير، فتدارس الأمر خير من إضاعة الوقت في التعليق على هذا القول أو ذاك أو في انتقاد هذا الطرف أو ذاك أو في اصطياد أخطاء بعضنا البعض والتعليق عليها واعتبارها انتصاراً أو هزيمة.المرحلة التي نمر بها لا تستوعب كل هذا الذي صرنا نشغل أنفسنا به، هذه المرحلة تحتاج منا التفكر في أمرنا وأحوالنا والتوافق على حلول، وإلا فإن تدوين أخطاء بعضنا البعض عملية سهلة للغاية ولا تكلفنا سوى جهد الرصد والمتابعة، وكذلك توظيف تلك الأخطاء واعتبارها نصراً لنا وهزيمة للآخر. حان الوقت لتجاوز كل هذا. حان الوقت أيضاً ليدخل العقلاء على الخط ويقودوا المرحلة. حان الوقت ليخرج أولئك الصامتون الذين لايزالون يقفون على الحياد عن صمتهم وسلبيتهم وأن يعلموا أن من حق الوطن عليهم القيام بهذا الدور في هذه المرحلة.وطننا يستحق أن نصرف وقتنا في خدمته، وخدمته لا تكون برصد أخطاء بعضنا البعض.
Opinion
استراتيجية رصد الأخطاء
30 أبريل 2016