لعل من أبرز المهن التي لم تنل نصيبها من الاهتمام من طرف الجهات الرسمية وغير الرسمية هي مهنة «المحاماة»، خصوصاً الخريجين الجدد من دارسي القانون عبر تاريخ المهن في البحرين. حين يتخرج الطبيب يحصل على الرعاية الكافية منذ البداية، فالدولة وحتى القطاع الخاص يولون أهمية خاصة بهذه الشريحة ويقومون بإعطائهم الكثير من الامتيازات سواء على الصعيد المهني أو المادي أو حتى الاجتماعي -وإن اختلف الحال في الآونة الأخيرة فقط- كذلك يحدث مع المهندسين وغيرهم. فالطبيب والمهندس وربما حتى المحاسب المتخصص ينالون مجموعة من الامتيازات المادية التي تتفوق على مهنة لا تقل شأناً عنهم من حيث المستوى والتحصيل العلمي ألا وهي مهنة المحاماة.بمقارنة سريعة للغاية بين راتب الطبيب -على سبيل المثال- وبين راتب المحامي، نجد أن الأول يحصل في بداية حياته المهنية على راتب قد يصل في كثير من الأحيان إلى نحو 1500 دينار أو أكثر، بينما يتحصل المحامي بعد أن ينال شرف وظيفة «قانوني» على راتب لا يتجاوز 300 دينار فقط في بعض المؤسسات!لا نعلم كيف ومتى ومن الذي حدد رواتب الأطباء والمهندسين وكذلك المحامين في البحرين؟ وكيف تم تمييز هذه المهن عن بقية المهن الأخرى، سواء من الناحية العلمية أو العملية؟ بمعنى أوضح، ما هي المعايير التي جعلت الجهة الرسمية تفضل مهناً على بقية المهن الأخرى، وعلى وجه الخصوص مهنة المحاماة؟في حديث مع مجموعة من القانونيين والمحامين حديثي التخرج، شكت لنا هذه المجاميع ضعف المردودات المادية التي يعانون بسببها، وطبيعة الرواتب التي يتحصلون عليها جراء تعبهم الكبير ومجهوداتهم المضنية في العمل، حين يعملون في مكاتب قانونية خاصة، فينالون فتات ما تناله المكاتب الكبيرة من مداخيل لآلاف القضايا التي يتاجرون بها في محاكمنا، ولأنها مكاتب خاصة، ولأنه لا يوجد أي قانون مهني أو رسمي ينظم مهنة القانوني أو المحامي في كثير من النواحي، يتم استغلالهم بطريقة غير لائقة، مما يعني ذلك هدراً للطاقات الشابة وهدراً آخر للجهد وسرقة للمجهودات الكبيرة التي يقدمها المحامون المبتدئون في بعض مكاتب المحامين الكبار.يجب أن يعاد النظر في صياغة التعامل مع المهن التي لم تنل نصيبها من الشهرة الرسمية وحتى الاجتماعية، فكانت في ذيل الوظائف الدونية أو شبه العادية، بينما على أرض الواقع يقدمون الكثير من الجهد والعمل في سبيل تطوير مهنتهم، ومما يدلل على ذلك، هو استفادة المجلس الأعلى للقضاء في البحرين وكذلك النيابة العامة من الكثير من الطاقات الشابة في مجال القانون، مما مكنهم لتسنم مناصب قضائية كبيرة، وكذلك الكثير من الطاقات في مجال النيابة العامة، فالشباب البحريني يعتبر من أفضل الشباب الخليجي على مستوى وعي القانون ودراسته وهضمه، ومن هنا يجب أن تكون هنالك لائحة شرف للعمل القانوني الخاص بالمحامين الجدد من خريجي كليات الحقوق والقانون في البحرين، ليكون هذا القطاع مزدهراً بالوجوه البحرينية الشابة كما هي بقية التخصصات الأخرى، وإذا كان البعض منهم يقول إن المحامين الجدد لا يستحقون كل تلكم الامتيازات في بداية مشوارهم العملي، سنقول لهم وكيف استحق الطبيب المبتدئ كل هذه الامتيازات؟ وهل الامتياز يكون مع بداية المهنة وإشراقاتها وعنفوانها أم مع إعلان حالة وفاة صاحبها؟