قام محمود الساعاتي في العام 1922 بتجهيز كوخ صغير يطل على البحر غرب المنامة يضم 30 مقعداً مع لوحة خشبية كبيرة، وكان ذلك الكوخ أول دار للسينما في منطقة الخليج العربي.رغم بدائية تلك التجربة التي سيمر عليها قرن كامل بعد ست سنوات فقط من الآن، إلا أنها جديرة بالتأمل لأنها تعكس جانباً هاماً من تأثر مجتمعات الخليج بالعولمة المبكرة. خطوة الساعاتي الجريئة أسست لدور السينما لاحقاً في المنطقة، ولكنها ساهمت كثيراً في تغيير الثقافة السائدة آنذاك، حيث حظيت بإقبال واسع، مع ظهور نزعة معارضة من طرفين الأول المؤسسة الدينية البحرينية في ذلك الوقت، إضافة إلى كبار السن الذين رأوا في السينما بدعة جديدة على المجتمع قد تفسد أخلاق الناس.فوجئ الإنجليز بنجاح التجربة الأولى للسينما، فقرروا تطويرها ليقوم مكتب الاستعلامات البريطاني بجلب سينما متنقلة لعرض مجريات الحرب العالمية الثانية في أربعينات القرن العشرين. كان لافتاً إقبال الأطفال، ما دفع المكتب إلى عرض أفلام كارتونية لأطفال البحرين.رغم التحفظ الكبير على السينما في مجتمعات الخليج العربي، وحظر مشاهدة المرأة لأفلامها خلال النصف الأول من القرن العشرين، إلا أن هذا التحفظ سرعان مازال في النصف الثاني منه.أيضاً ظاهرة أخرى حظيت بالقبول أسرع وأكثر من السينما في المجتمعات الخليجية وهي الصحف والمجلات العربية التي كانت تصدر من مصر والعراق وبلدان الشام، تلك الصحف لم يتم التحفظ عليها بنفس التحفظ الذي قوبلت به السينما أو مؤسسات المجتمع المدني في نسخها الأولى بواكير القرن العشرين.من الواضح أن التأثر الخليجي بالثقافات العربية والغربية كان متسارعاً مع تطور حركة التعليم النظامي وانتشار المدارس، ولكن التأثر كان انتقائياً، فكان هناك انشغال ثقافي بالكتب والصحف والمجلات، في الوقت الذي تمت فيه معارضة دخول السينما.بالمقابل دخول السيارات لأول مرة في مجتمعات الخليج العربي «الكويت في العام 1912، والبحرين عام 1913» لم يواجه تحفظاً، بل كان هناك اتجاهاً مؤيداً لزيادة مثل هذه المركبات باعتبارها من مظاهر الحداثة التي طرأت على المجتمع، ولم يكن يتوقع أن تغير في الأنماط الثقافية السائدة في تلك الفترة.تعامل مجتمعات الخليج العربي مع العولمة المبكرة لم يكن تعاملاً منظماً، بل كان عشوائياً، ولم ينظر إلى جميع أدوات العولمة على أنها من أدوات التأثير والتغيير الثقافي، ولكن الوقت كان كفيل بتغيير ثقافي هائل مع أداة بسيطة مثل السيارات.الأهم في تجربة التعامل مع العولمة المبكرة أن مجتمعات الخليج العربي لم تكن منغلقة على ذاتها، ولم تتحفظ على التفاعل مع الخارج رغم تعارض ذلك في أحايين كثيرة مع العادات والتقاليد والقيم الدينية المختلفة، فضلاً عن معارضة النخب الحاكمة أو الدينية والتجارية، وتفاعلها اعتمد بشكل رئيس على مدى تأثيره الثقافي طبقاً لمقاييس وظروف ذلك الوقت.