نواصل في الجزء الثالث والأخير من المقال حديثنا عن مشاعر الكراهية التي تكنها إيران تجاه العرب والمسلمين. وهكذا تستمر السير المؤلمة في عهد إسماعيل شاه الصفوي واجتياحه لبغداد في مستهل القرن السادس عشر عام 1509، ونبشه لقبر الإمام أبي حنيفة النعمان أحد كبار علماء السنة الأجلاء، وأمره أن يسير النساء سافرات في عاشوراء يلطمن، وتذكر كتب التاريخ أن مليون إنسان قد تم قتلهم بأمره في بلاد فارس ومنهم أمه، لرفضها اعتناق عقيدته التي أنشأها وهي التي فيها تم تغيير الآذان والوضوء والصلاة وسب الخلفاء الراشدين الثلاثة، وباقي العشرة المبشرين بالجنة، والاحتفال بمقتل سيدنا عمر ولعنه في الصلاة هو وباقي الصحابة وسب أم المؤمنين السيدة عائشة وخالد بن الوليد، ووضع الإمام علي بن أبي طالب في مرتبة كمرتبة الإله بصلاحيات كاملة في تسيير الكون كله.وكان العالم الشيعي الكبير المجلسي قد عاصر الملك إسماعيل شاه الصفوي في القرن السادس عشر الميلادي، والذي دعمه كثيرًا فلقد ألف في عهده كتابًا يعد من أكبر كتب مراجع الشيعة على الإطلاق، وهو كتاب «بحار الأنوار»، الذي ألفه في عشرين عاماً، وهو كتاب جمع فيه كل ما لا يخطر على بال البشر من روايات الغرائب والعجائب التي تفوق كل تصور وخيال، ونسب كل الروايات فيها إلى أحفاد ذرية الإمام علي من نسل الحسين بن علي رضوان الله عليهما، دون أية أسانيد أو أدلة على الإطلاق مؤسساً لطريقة في الروايات تسمى بالروايات الإخبارية لا تشترط الأدلة أو الأسانيد بل الخيال والأحلام ولاشيء غيرهما.في العصور المتأخرة برزت الأزمة البحرينية حيث زعم لي بعض الإيرانيين أن «البحرين لم تكن سوى جزيرة إيرانية استقلت عام 1970 وأن الشاه الأخير محمد رضا بهلوي هو من فرط فيها وكذلك الجزر الإماراتية الثلاث»، ولا ننسى تلك الحرب التي دامت لثمانية أعوام بين العراق وإيران، وما جرى من تراجيديا، وها نحن نسمع ونرى إيران اليوم في سوريا ولبنان واليمن والعراق والسودان وتونس، فضلاً عن السنغال وغامبيا وجزر القمر وحتى بوركينافاسو، ويبدو أن القوميين الفرس لم يؤمنوا بالصداقة مع أحد لاعن طريق الدين ولا عن طريق الإنسانية لأن لديهم تلك الأنفة التي تجعلهم يمجدون تاريخهم وما فيه من أشياء وإن تعارضت مع الدين نفسه كالاحتفال بعيد النيروز مثلاً، وتمجيد العروش الكسروية لأن في ذلك هويتهم ببصماتها الوراثية الحقيقية. لقد شهد العالم تلك الاحتفالية الضخمة التي أقامها الشاه الأخير في منتصف السبعينيات ودعا لها كل الملوك والقادة في العالم للاحتفال بمرور 2500 سنة على حضارة ملوك فارس، وكيف انه استخدم لقب شاهنشاه «أي ملك الملوك» مخاطباً الملك كوريش «من كبار ملوك الأكاسرة الفرس»، أمام قبره المشيد على الملأ.لقد ذكر لي الكثير من العراقيين الذين عاشوا في إيران ما تعنيه كلمة «أرابو» أي العربي «الجلف المتخلف».عموماً ليست القضية في الشتائم والسباب والنعوت، وإنما في مفهوم الفرس والحساسية المفرطة تجاه العرب والإسلام الذي أتى به العرب ليجبروا الفرس على الدخول في قالب تاريخي جديد لم يقبلوه يوماً، فعلينا أن ندرك ذلك خصوصاً عندما ذكر أحد علمائهم آية الله أحمد علم الهدى بأنه يجب تغيير قبلة الصلاة عند المسلمين في إيران إلى مدينة مشهد بدلاً من مكة لسوء العلاقات بين البلدين وإن مكة والمدينة يقعان تحت حكم الوهابية ويستوجب ذلك تغيير قبلة الصلاة إلى مدينة مشهد، حيث ضريح الإمام علي بن موسى الرضا إمام الشيعة الثامن، هذا بالإضافة إلى الفيديو الذي شاهدت فيه كيف يقرأ الفرس القرآن نصاً باللغة الفارسية الشيء الذي لم تجرؤ عليه أية أمة من أمم العجم منذ أن نزل القرآن على المسلمين.يبدو أن الفرس ربما لعنوا اليوم الذي أصبح للعرب فيه حدود جغرافية معهم إلا أن العرب ما زالوا يتوسمون فيهم الخير والإنسانية بحكم الدين والقيم الإنسانية العليا متوهمين أن بينهم وبين الفرس أموراً مشتركة كثيرة، ولعمري تلك هي المسألة الكبرى.
Opinion
مشاعر إيران تجاه العرب والمسلمين «3-3»
10 مايو 2016