ليس هنالك من جدل واختلاف أبداً بشأن الدور المشرف والأخوي الذي لعبته المملكة العربية السعودية في لبنان بعد حروب الآخرين التي عصفت بلبنان وخلفت جراحاً ودماراً كبيرين لم يكن بوسع لبنان لوحده المبادرة والعمل من أجل معالجة آثارها ونتائجها الضارة، فجاءت يد العون والأخوة والمحبة من جانب مملكة الخير والعطاء لتلملم ما تبقى منه وتشفي الجراح وتوحد اللبنانيين من جديد، وتجمع شملهم عبر اتفاق الطائف عام 1989، الذي أوقف الحرب الأهلية في لبنان الذي وافقت عليه أغلب الأحزاب اللبنانية، وهو ما أدى وبحسب معظم المراقبين والمحللين السياسيين إلى ولادة جديدة للبنان.الوضع الإيجابي الجديد في لبنان والذي كان صناعة سلمية سعودية مخلصة 100%، عكس وجسد الدور الريادي الذي بإمكان السعودية أن تلعبه خارج حدودها، وهو ما لفت أنظار العالمين العربي والإسلامي إليها إلى جانب ترحيب دولي واسع النطاق بهذا الدور الإيجابي الذي عكس اهتمام السعودية بالسلام والأمن والاستقرار في المنطقة وحرصها المتناهي من أجل المحافظة عليه.اتفاق الطائف الذي منح ثقة ومصداقية أكبر بالدور السعودي وإمكانياته الكبيرة في أن يساهم بحفظ الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة، وهو ما أثار غيظ وحنق نظام «ولاية الفقيه» وأطار صوابه خصوصاً وإنه كان يريد من خلال مخططاته التخريبية في مواسم الحج الطعن في الدور السعودي وسحب البساط من تحت أقدامها، وقد تجسد وتجلى الغيظ والحسد الإيراني من ريادة الدور السعودي إقليمياً وعالمياً أكثر بعد ما تحول «حزب الله» من مقاومة على الحدود إلى حجر عثرة في الداخل اللبناني، ونفذ إلى داخل أغلب مؤسسات الدولة اللبنانية وأمسك بمفاصل الدولة وسيطر على البلاد بصورة واضحة خاصة عندما قام بعمليته في 7 مايو ذلك اليوم المشؤوم وكل ذلك بدعم وتوجيه مباشر من نظام «ولاية الفقيه» في إيران والذي كان صاحب المصلحة الأولى والأخيرة من وراء ذلك.الدور الذي لعبه ويلعبه «حزب الله» منذ تركه للحدود وتغيير هدفه من إسرائيل إلى لبنان ودول المنطقة، أظهر للعالم كله حقيقة النوايا الشريرة والعدوانية لنظام «ولاية الفقيه» تجاه المنطقة خصوصاً بعد أن بدأت التصريحات والمواقف العنصرية والتوسعية لقادة ومسؤولي هذا النظام تظهر جلياً وتدل على أن كل ما كان يفعله هذا النظام من خلال «حزب الله» إنما كان مجرد مسرحية لفترة محددة كان الهدف الأكبر من ورائها إعادة خلط الأوراق في لبنان والمنطقة وطرح معادلات سياسية جديدة تديرها وتوجهها طهران.لبنان الذي يعاني منذ أكثر من عامين من فراغ رئاسي وتعطيل تشريعي وأزمة حكومية مستعصية وتمديد للنواب ولأغلب موظفي الدرجة الأولى من قائد للجيش ومديرين عامين وغيرهم فضلاً عن الفساد المستشري فيه، وكل ذلك يجري ضمن خطة مدروسة متعمدة حيث تؤكد معلوماتنا أن القرار صدر من «الولي الفقيه» في إيران بضرورة تغيير كلي لاتفاق الطائف وإيجاد ميثاق لبناني جديد مفاده إعطاء دور سياسي أكبر وأكثر لـ«حزب الله» وحلفائه من باقي الطوائف وذلك يعود لسببين:1ـ إزالة أي شيء أو قطع أي صلة سياسية لها علاقة مع العرب وخاصة المملكة العربية السعودية بحيث يتم في نهاية الأمر إبعاد العرب عن لبنان.2- الخوف من المستقبل القادم على «حزب الله» ووجوده خاصة مع احتمال فقدان الشريك والمساعد له أي نظام بشار الأسد في سوريا مما يشكل خطراً وجودياً على «حزب الله»، حيث يجري العمل من أجل تعويض ذلك من خلال تقوية وجوده الشرعي والرسم داخل نظام الدولة اللبنانية.كل ما قد ذكرناه آنفاً، يؤكد حقيقة القرار الإيراني المتخذ بإسقاط اتفاق الطائف عبر إشاعة الفوضى والفساد في لبنان، فضلاً عن تعمد الفراغ السياسي والتمديد للنواب والمديرين وتعطيل المؤسسات وغياب الرقابة والمحاسبة مما يجعل بالضرورة المطالبة بحل جذري وهو إسقاط اتفاق الطائف والاتفاق على ميثاق وطني جديد!! وهذا ما أعلنه صراحة وطالب به حسن نصرالله شخصياً. من أجل ذلك يجب أن ينظر إلى القضية بأنها أبعد وأوسع وأعمق من قضية لبنانية بحتة بل إنه مخطط إيراني جديد يجري تنفيذه بكل هدوء وروية تحت أنظار ومسمع البلدان العربية التي للأسف تقف في موقف الدفاع السلبي من دون أن تبادر لموقف سياسي هجومي يلجم المخطط الإيراني ويعيده إلى الدهليز الذي خرج منه من طهران. وهنا أسأل إخواننا العرب بعد كل الذي ذكرته ونبهت منه، هل سيترك لبنان لقمة سائغة بفم الولي الفقيه؟! اللهم إني قد بلغت اللهم فاشهد.* الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي في لبنان
Opinion
إيران وإسقاط اتفاق الطائف في لبنان
11 مايو 2016