لا شك ولا ريب في أن الضغط الغربي من أجل تقسيم المنطقة قد بلغ مداه، إذ ليس هنالك من خيارات للتقسيم إلا وقد تم تجربتها على أرض الواقع، بدءا من الحراك السياسي وانتهاء باختلاق الأزمات وانتهاء بالحروب، وبين مقاوم لكل أشكال التقسيم وبين الرغبة الجامحة للديمقراطية، سَقَطَتْ كل خيارات الغرب، حتى اتضح أن عملية التقسيم بذات السهولة التي كان يعتقدها الأجنبي باتت عصية على أن تتحول إلى حقيقة.هنالك رغبة شعبية فعلية للإصلاح وتطوير منظومة الحكم في الدول العربية، لكن ليس وفق الرغبات الأجنبية، فمقاومة الدول والشعوب العربية أضحت صريحة وشرسة في مقابل الإذعان الرخيص للقرارات الغربية المجحفة في سلب حقنا وحياتنا، وعليه نحن نطالب كل العواصم العربية، سواء كانت أنظمة أو شعوب بمقاومة خريطة التقسيم الجديد - سايكس بيكو الثانية - من أجل الحفاظ على بعضٍ من كرامتنا وترابنا وثرواتنا كي لا تذهب للأجنبي بالمجان، فكلما زادت مقاومة العرب للمخططات الغربية الداعية لإحداث شرخ عظيم في واقعنا السياسي المعاصر، كان حجم التراجع عن مشروعهم في المنطقة هو أبرز علامات النصر لنا والهزيمة لهم.من الضروري أن يتنبَّه العرب للخلط الغربي بين مفهوم شعارات التغيير نحو الأفضل وبين الدعوات لزعزعة استقرارنا وسرقة خيراتنا، حتى ولو أوكلوا الأمر بيد أبنائنا البسطاء أو لجماعات الإسلام السياسي لاستدرار عاطفة الجماهير ودغدغتها بشعارات خادعة وبراقة، فالمصير الأهم من تاريخنا كعرب يكمن سره بمدى مقاومتنا لكل المخططات الأجنبية التي ترمي بكل ثقلها باتجاه سلبنا الإرادة الشعبية، وهذا لن يتحقق إلا بالإلتفات نحو أنفسنا وتركيز مفاهيم الوحدة العربية كمشروع قومي مقابل مشروعهم أكثر من أي وقت مضى، كما يجب أن نرص صفوفنا ونسقط كل أوراقهم السياسية الداعية إلى إشعال الفتن والفوضى في المنطقة لتسهل عمليات التقسيم، كما أنه من الضروري أن نتَّحد في مقاومة الإرهاب بكل درجاته وأنواعه، وأن نحذر من كل الدعوات المستترة خلف الشعارات الزائفة التي تتكلم عن الحرية حيناً وأحيان كثيرة عن الإسلام، لكنها في حقيقة الأمر لا علاقة لها لا بالحرية ولا بالدين.الغربيون اليوم يدركون مستوى التدين في الداخل العربي كما يعلمون جيداً أننا شعوب عاطفية، ومن هنا استثمروا هاتين الحالتين في تنفيذ مخططاتهم الرامية إلى ضرب أوطاننا بإيدينا تحت شعارات دينية، دون أن نشعر بهذه المسألة، ولهذا من الضروري أن نقاوم هذا الاحتلال الجديد بزيادة جرعات الوعي وحفر المناطق الشائكة في الثقافة العربية وتراثها للوقوف على طبيعة الزيف الذي يروج له الأجنبي ومعه جماعات الإسلام السياسي، فمن غير تغيير نمط تفكيرنا وتحديثه وفق رؤى فكرية تذهب بعيداً نحو المستقبل، ستكون مناعتنا لأمراض العقل ضعيفة جداً مما يسهل غزونا بفتوى دينية ليس لها علاقة بالدين ولا بالحرية ولا بكرامة الأوطان، فهل سنستوعب الدرس، أم أننا سنسير مع التائهين دون أفقٍ أو بصيصٍ من نور؟