لم تكن تجربتي مع الماجستير كأغلب التجارب التي سبقتني، فقد كانت تحدياً ضخماً خضته بإدراك حرقت من خلاله مرحلة لأقفز للأخرى مباشرة، ورغم ما يقال عن سهولة الحرق، إلا أني وجدت نفسي أول من اكتوى بنيران تلك المرحلة في حجم التعب والصعوبات التي واجهتها، من أجل الخروج بأقصى مستوى من الفائدة، وليتمخض عن ذلك الجهد المضاعف أضعافاً كثيرة دراسة وصفها الأساتذة الممتحنون بأطروحة دكتوراه لا رسالة ماجستير، وهي شهادة أعتز بها وأعلقها على صدري وساماً، ولله الحمد والمنة.لقد تناولت دراستي العلمية موضوع «معالجة الصحافة الخليجية للسياسة الخارجية الإيرانية»، وهي دراسة تحليلية لمقالات الرأي، وتناولت عينة من المقالات من ست صحف خليجية هي «الاتحاد» الإماراتية، و»الرياض» السعودية، و»السياسة» الكويتية، و»العرب» القطرية، و»عمان» العمانية، و»الوطن» البحرينية»، فقد شكلت السياسة الخارجية الإيرانية تجاه الخليج العربي، اهتماماً مركزياً لدى الباحثة التي عنيت بمعالجة قضايا أمن الخليج العربي من حيث كونها كاتباً صحافياً سياسياً. وما بين ما استغرقه هذا الاهتمام لسنوات وتحبير الدراسة العلمية الحالية لتظهر بشكلها النهائي كان هناك الكثير من الوقفات والتجاذبات الحائرة منشأها الصراع الداخلي ما بين الذود عن أمن الخليج العربي بنزعة انتماء وولاء مواطنيه وصحافيه، وما بين الوقوف على الدراسة بما أوتي أولي العزم من قوة لضبط إيقاع الحياد العلمي لاسيما في المفاصل التحليلية.ولم يكن اختيار المقالة الصحافية عشوائياً لتحليل مضامينها والسعي للحصول على نتائج تتلاءم مع موضوع الدراسة وحجمها، فالمقالة الصحافية السياسية وإن بدت للقارئ سهلة الفهم سلسة في الطرح إلا أنها تخفي بين تموجات سطورها وفواصل التقاطات أنفاسها نزعات ورؤى وغايات جديرة بالتفنيد والتمحيص للتعرف على كنهها، بما يسدل الستار على الاعتقاد بأن المقالة الصحافية السياسية رأي طارئ أو مجرد التفاتة تعقيب على ما تشهده الساحة السياسية من تجاذبات وصراعات ديناميكية.وهذا ما جعل الدراسة وليدة مماحكات عقلية استولت على جل اهتمام الباحثة وعصف ذهني معزز بقراءة علمية لمعطيات السياسة الخارجية الإيرانية في ضوء ما قدمه كتاب مقالات الرأي في الصحافة الخليجية، لتخرج بخلاصة وتوصيات لعلها تسهم في صقل عدسة المنظار الإعلامي للأمن القومي الخليجي في قادم الأيام.ونظراً للجهد الضخم المبذول في هذه الدراسة، فإنه من الإنصاف الإشارة للجهود المصاحبة التي بذلت مع الباحثة والتي جاء في مقدمتها جهود المشرف على الرسالة د. زهير حسين ضيف، أستاذ الصحافة والإعلام بالجامعة الأهلية، يأتي إلى جانب ذلك جهود عابرة للحدود بذلها العقيد ركن طيار متقاعد د. ظافر العجمي من الكويت، إلى جانب اهتمام غامر وتعاون مثمر حصلت عليه من قبل كثيرين، منهم، غسان الشهابي، د.أحمد فرحان، طلال المالود، د. إبتسام الكتبي ومركزها «مركز الإمارات للسياسات»، فضلاً عن السادة المحكمين للتصنيف المستخدم في الدراسة، أ.د. عبدالهادي العجمي من دولة الكويت، د.أنور الرواس من سلطنة عمان، د.عبدالرحمن العناد من المملكة العربية السعودية، د.سلطان النعيمي من الإمارات العربية المتحدة، د.لولوة بودلامة من مملكة البحرين.* اختلاج النبض:خلصت هذه الدراسة لنتائج غاية في الأهمية حول معالجة الصحافة الخليجية لقضاياها خصوصاً تلك المتعلقة بالتعاطي مع السياسة الخارجية الإيرانية، وفندت الدراسة موضوعها في إطار بعدين متوازيين إعلامياً وسياسياً، وقدمت جملة من التوصيات الهامة التي أتمنى أن تؤخذ بعين الاعتبار من قبل القائمين بالاتصال الإعلامي في الخليج العربي والمعنيين بصناعة القرار السياسي.