من القصص التي حفظها الموروث الشعبي والتي تروى على سبيل التهكم من الذين يستمرئون الذلة والإهانة، تلك القصة التي تحكي حال أحد الغزاة المحتلين الذين ساموا الناس سوء العذاب والإهانة، وكلما زادهم إهانة ازدادوا قبولا بها، فقرر ذات يوم أن يمعن في إذلالهم لعلهم ينتفضون أو يعترضون على أقل تقدير، وكان في المدينة جسر واحد يعبر الناس عليه صباحاً عند ذهابهم لأعمالهم ومساءً عند عودتهم، فأوقف لهم في طريق العودة عدداً من الرجال يجلدون الناس العائدين إلى بيوتهم كل يوم، فيقفون الساعات الطوال ليحصلوا على نصيبهم من الجلد، وكان هذا المحتل يقف بالقرب من الجسر ليرى هل يعترض أحد على ما يحدث، وكان يقول في نفسه لو يعترض أحد منهم فقط اعتراضاً، سأتوقف عن إذلالهم لأني سأشعر بوجود من يستحق الاحترام بينهم، وذات يوم وهو ينظر إلى جموع الناس انتفض أحدهم واعترض بشدة على ما يحصل له، ففرح هذا المعتدي وقال لهم ائتوني به، وعندما وصل قال له: لمَ تعترض؟ فأجابه بأن هذا الوضع غير مقبول وأنهم يتأخرون كل يوم ساعات بسبب الجلد، وأن المشكلة تكمن في أن عدد الجلادين غير كافٍ فيفترض بك أن تضع المزيد من الجلادين لنعود إلى منازلنا في وقت أسرع!قبل أربعة أيام زار وزير الاستخبارات الإيراني محمود علوي، بغداد، وتصرف كما يتصرف أي محتل حيث التقى برئيس الجمهورية ورئيس البرلمان وقادة الكتل بشكل منفصل ليبلغهم أوامر بلاده لهم، وفي الوقت الذي تعاني فيه المنطقة العربية من تدخلات إيران في شؤونها ويتفق الجميع على خطرها على الدول العربية المحيطة بها ويعترف أكثرهم باحتلالها للعراق، نجد رئيس البرلمان العراقي يجتمع بالوزير الإيراني وينتفض فجأة على إيران واحتلالها للعراق، فيدعو إلى مزيد من التعاون والتنسيق مع إيران، كما نجد الرئيس العراقي ينتفض هو الآخر بعد اجتماعه بالوزير ويشدد على ضرورة الاستفادة من خبرة إيران في المجالات الأمنية والمعلوماتية. أما الإيرانيون في الحكومة العراقية أمثال نوري المالكي زعيم حزب الدعوة وعمار الحكيم رئيس المجلس الأعلى، وإبراهيم الجعفري زعيم التحالف الشيعي، فهؤلاء بحثوا مع الوزير سبل إدارة الحرب في العراق وآليات التنسيق مع إيران.بعد الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 وظهور بوادر الاحتلال الإيراني، كان أتباع إيران في العملية السياسية الجديدة يكررون على شاشات الفضائيات عبارة «العرب السنة لم يستوعبوا التغيير الذي حصل وعليهم أن يقبلوا بالوضع الجديد» ويقصدون تسلط «الولي الفقيه» على العراق.يقول علماء النفس إن الإنسان إذا تعرض لنكسة سيدخل في مرحلة التعايش معها وتقبلها وهي وإن كانت ذات إيجابيات نفسية آنية لكنها في الوقت نفسه ذات نكسات ثقافية وحضارية خطيرة على المستوى البعيد. بمعنى آخر، إنهم سيصبحون كالمعترض على الجلد، لا لأنه إهانة، لكنه بحاجة إلى عدد أكبر من الجلادين، كما فعل رئيس البرلمان العراقي المحسوب زوراً على العرب السنة.أعرفتم الآن لماذا لا يقبل العرب السنة في العراق التعايش مع صدمة الاحتلال الإيراني؟ الجواب حتى لا يستمرئوا الذلة والإهانة.
Opinion
زارهم فطالبوه بمزيد من الإهانة
18 مايو 2016