عندما تمسك بقلمك تحتار في صياغة تلك الوقفات المتأملة لواقع حياتك، وتحتار في كيفية ترجمة مواقف حياتية قطعت على نفسك عهداً أن تصور مشاهدها وتحلل جوانبها من أجل أن تكون صورة إيجابية في المجتمع، وتنهض بنفسك وتجدد فيها معاني العزم والتفاؤل.. هو شعور يراودني ويلامس أوتار قلبي في كل حين.. وبخاصة عندما تعايش أمامك مواقف متناقضة لشخصيات مزدوجة في معاملاتها الحياتية.. الحيرة تكمن في تغير الموازين عند البعض، والانعكاس السلبي على شؤونهم الحياتية، واختيارهم لطريق مظلم محفوف بالمخاطر.. الحيرة من تسارع عجيب لوتيرة الحياة، ومغيب سريع لأيامها ولياليها، يقابلها فتور وتقاعس من أصحاب الهمم الذين اعتادوا أن يرسموا عدة لوحات مع إشراقة يوم جديد، ولكنهم باتوا يلهثون من أجل الحصول على وقت مناسب ليرسموا لوحة واحدة تشفع لهم في دنياهم وآخرتهم!!قال أبو بكر الوراق: «استعن على سيرك إلى الله بترك من شغلك عن الله عز وجل، وليس بشاغل يشغلك عن الله عز وجل كنفسك التي هي بين جنبيك». كم نحن بحاجة ماسة إلى أن نشغل أنفسنا بطاعة الله تعالى وترك ما سواه من ملهيات الأوقات ومزعجات الحياة، فالسير إلى الله تعالى سير يحتاج إلى ثبات واستقرار ومجاهدة للنفس وترويضها على أداء الطاعات، واتباع مسالك الخير، والنظرة الشمولية لمفاهيم العبادة.في ظل الخبرات التي تتراكم عند بعض المسؤولين، ومع تعدد التجارب وتنوعها، إلا أن طابع «الأهواء الشخصية» وتغليب المصالح الخاصة هو السمت العام الذي تراه في شخصياتهم، فالخطوة الأولى التي يخطونها في كل عمل، يبصمون من خلالها بصمة المصلحة الشخصية، وأول علامات التخطيط لأي عمل منتج، يختارون منها بطاقة المصلحة الشخصية التي يجنون من ورائها «الثمار الدنيوية المحدودة».. مثل هذه البيئات المريضة، وهذه النفوس الفقيرة التي لم تستوعب بعد حظها من هذه الدنيا، ولم تدرك حجم المسؤولية الملقاة على عاتقها، والتي تستلزم أن تكون محور تطوير ورقي ونشر لقيم الخير واهتمام بالآخرين.. مثل هؤلاء لا ترتقي المجتمعات، ويتأخر التطور والرقي في سلم النجاح.من روائع الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله: «لقد مر بي أكثر العمر، ورأيت الحياة، ونلت لذاتها، وجرعت آلامها، لم تبق متعة إلا استمتعت بها، فلا اللذائذ دامت ولا الآلام، ولا الشهرة أفادت ولا الجاه..». وقال: «ولم يبق لي من دنياي «الآن» إلا مطلب واحد: يقظة قلب أدرك بها حقائق الوجود وغاية الحياة، وأستعد بها لما بعد الموت، وهيهات يقظة القلب في هذا العالم المادي».في عالم مادي سريع الخطوات، تكثر فيه الملهيات، وتشتد فيه الكربات، وتنتشر فيه المغريات، وتسعى النفوس للملذات، فيصبح المرء عاجزاً عن إدراك حياته قبل الممات.. يا ترى أين نحن من يقظة القلوب وروعة بيانها ومحاسنها في ميدان الطاعات؟ أين نحن من حياة القلوب التي يعيشها من حباه الله نعمة السكينة والتعلق برب البريات؟ فكم نحن بحاجة ماسة لنزيل الران عن قلوبنا، ونصحح مسارنا قبل فوات الأوان.. إنها يقظة قلب تعطينا أحلى اللحظات مع رب السموات في خشوع وطمأنينة قبل حلول شهر رمضان.. يقظة نزلزل فيها أرواحنا لكي تعشق قراءة القرآن والذكر والتسبيح والتهليل والدعاء والسجود للخالق العظيم.. إنها يقظة قلب تنبهنا عن مواطن الزلل، وتعصمنا من الفتن، وتحطم كل قيود الخمول والكسل.. إنها يقظة تحببنا إلى مواطن الخيرات، وتبعدنا عن مواطن الزلات، فتجعل الخير يسري في عروقنا، وحب الله العظيم يتغلغل في أفئدتنا.. إنها يقظة تنسينا هموم العيش وكدر الحياة، وتنقلنا إلى مراتب الأنس بالله والشوق للقياه ولما أعده في الجنات.. إنها يقظة تقربنا إلى هدآت الأسحار، نتذوق فيها لذة الإيمان العامرة التي نشتاق إليها لتكون ركيزة من ركائز القرب من الله.لنحذر من داء الغفلة فإنه يعلق المرء بدنيا فانية ويبعده عن جنة خالدة، غفلة تجعل القلب في سرحان دائم، فإن صلى لا يعقل صلاته، وإن صام فهو لا يحدق في معانيه ما يجعل صيامه تزكية لنفسه ومرضاة لربه.. وإن مضى إلى مدرسته أو جامعته أو عمله فهو لا يحرص على تجديد نيته وتحويل دراسته وعمله إلى ميدان للأجر حتى يحول كل حركاته وسكناته طاعة لربه، ذاكراً له، مستغفراً ومسبحاً. لنتدارك أعمارنا في كل خير يقربنا إلى الله سبحانه وتعالى، فإن كل خطوة نخطوها في عالم سريع الخطوات تقربنا إلى «ساعة الرحيل»، التي يجدر أن نستعد لها بقلب متعظ يقظ يعي عوالم الخير ويشحذ الهمم لجنة عالية قطوفها دانية.بالأمس ودعناه واليوم نستعد لاستقباله.. ضيفنا العزيز «رمضان» الذي نرقب ملامحه وإشراقاته وأنواره كلما أكرمنا المولى بالولوج إلى ميدان «شعبان».. ونسأل المولى عز وجل أن يكرمنا بالطمأنينة والسكنية في مدرسة رمضان، وأن يبلغنا إياه مع الأحباب، وأن يعيننا فيه على الصيام والقيام وتلاوة القرآن.. اللهم آمين.* همسة:أحب وأعشق تلك البذور التي ما زلت أرويها من بحر المحبة والسعادة.. أعود إليها وإلى حدائقها البهيجة.. لأجدد معاني الود والوصال.. سنوات تمضي بين مد وجزر في الأحاسيس.. ولكن تبقى في النهاية كلمة حب مؤثرة من بذرة أحبتني بصدق.. تبقى في النهاية حكاية وئام وحب في وسط حدائق السعادة.. حفظها الله من كل سوء.