خلال مشاهدتي لمقابلة تلفزيونية مع أحد عمالقة الشاشة الصغيرة - دون ذكر اسم الممثل والبرنامج والبلد - مع التأكيد على أن هذا الممثل القدير ينتمي إلى جيل الطيبين فهو من العصر الذهبي للفن، لم أكن أعتقد أنه سيدلي بذلك التصريح القوي، فبعد أن حاول جاهداً تزويق وترتيب تصريحاته إلا أن الكلمات خنقته، ليوجه رسالة قصيرة للمعنيين خالية من البهرجة الكذابة والترقيع مفادها: «أنه لا يريد تكريماً أسطورياً ووساماً ماسياً بعد أن يختاره الله، ولكنه بحاجة إلى بعضٍ من الدعم المادي كي يكمل ما تبقى من أيامه المعدودة»، بحسب قوله، «شبعاناً ومستوراً» لأنه لا يطلب سوى الستر والعيش الكريم في هذا العمر الهذيل».كلام هذا الممثل الأسطوري أعادني بالذاكرة إلى الوراء قليلاً عندما استلمت على جوالي رسالة نصية تقول «أنا شخص أكره سماع الأغاني من قريب أو بعيد، بالأمس كنت برفقة أخي بسيارته، والذي يحب ما أكرهه بجنون، وخلال قصدنا أحد الأماكن، وطبعاً بما أنها سيارته وهو قائدها، فلا أستطيع التحكم بجهاز الصوت، ولو كنت بيدي حامله، ولكن هذه المرة كانت مفاجأة لي، فقد أغلق ذلك الصوت العالي المزعج دون طلب مني أو مجرد تلميح، واستبشرت خيراً، بأن أخي لرغباتي أصبح من المحترمين، ولكن لم أستطع تجاهل الأمر وسألته في الحال: «على غير عوايدك يا أخي، أغلقت المذياع؟»، لأسمع منه رداً لم يكن في الحسبان – «كوننا نمر أمام مقبرة، فأقفلته احتراماً للأموات»، كان جواب أخي فوق كل التوقعات وحطم معه كل الآمال، إنه يخاف على من أصبحوا تحت التراب راقدين وضارباً بمشاعري وأنا حيّ أرزق وجالس بجواره وملاصق بكتفه، عرض الحائط.هذان الموقفان وضعاني أمام سؤال لطالما سألته لنفسي مراراً وتكراراً، ولم أجد له تفسيراً، والآن أطرحه عليكم: «لماذا ننتظر فراق من حولنا، لكي نُكرمه أما بوسام، أو بقصيدة رثاء، أو حتى بعبارة مع صورة صامتة نضعها على جدران لا يفقه شيئاً، أو بتعديل صورة العرض لدينا على صفحة «البروفايل» لإحدى برامج التواصل الاجتماعي! ماذا نريد أن نثبت ولمن؟ ماذا نريد أن نُخبر ونقول؟ أحبك، وأحبك وسأظل أحبك؟ ومثيلاتها من عبارات الحب والتكريم والتقدير - شكراً لك - وأنت كنت في يوم ما تعني لي الكثير؟! أو سوف أتوقف عن فعل ما كنت تنهاني عنه وفاء لك؟! لنحاول أن نهدئ روعة الضمير الذي استيقظ من غفلته عند سماعنا لخبر «الفراق» إنه يقين، أو نحاول أن نلمّع صورتنا في أعين من حولنا والذين يعلمون تقصيرنا الكبير في حق من كان «حيّ»؟!عذراً من أصحاب المجاملات الفارغة فكل أفعالكم واهية، وجميل فعلكم اتركوه سراً بينكم وبين ربكم فهو أعلم وأخبر. نصيحة من القلب، لا تتردد في أن تقدم لمن يحمل الحق عليك التقدير والتكريم بالأفعال وليس فقط بالحكم والأقوال، في السر والعلن، وتفعل كل ما يسعده ويسعدك، قبل أن يأتي يوم وتقول: «يا ليتني تداركت الأمر قبل فوات الأوان». وصدق الشاعر حينما قال:حبــــي لكم طبـــــع بغيـــــر تكلـــــفوالطبـــــع في الإنســــان لا يتغيـــــــرفـــإذا نطقـت ففي حديثـــي جمالكموإذا ســـكت ففيكمــــــــوا أتفكــــــــــر