الضمانات المقررة لصالح المتعاقد مع الإدارة:إن مبدأ حسن سير المرافق العامة بانتظام وباطراد لا يعني أنه قد أوجد فقط ضمانات للجهة الإدارية، بل منح أيضاً للمتعاقد مع الإدارة العديد من الضمانات، على اعتبار أن هذا المتعاقد هو معاون لجهة الإدارة في الحفاظ على حسن سير المرفق العام، وإن توقفه أو تعثره في تنفيذ التزاماته سوف يكون له بلا شك تأثير خطير على المرفق العام واستمرارية أدائه لدوره تجاه الجمهور ومن ثم تأثر المصلحة العامة بشكل عام، لذلك فإنه عادة ما تتضمن قوانين المناقصات والمشتريات الحكومية أحكاماً تضمن المساواة بين المتعاقدين وحرية المنافسة وتكافؤ الفرص، إضافة إلى شفافية إجراءات الشراء المختلفة، وكذلك إضافة مدد إلى مدة تنفيذ العقد الإداري إذا ما تأخر المتعاقد مع الإدارة في تنفيذ التزاماته نتيجة ظروف خارجة عن إرادته، وتعويضه عند إطالة مدة العقد بصرف فارق الأسعار إذا ما تصادف ارتفاعها أثناء فترة التأخير، أو حصول ارتفاع مفاجئ في الأسعار أثناء تنفيذ العقد، حيث تدخل هذه في نطاق الحفاظ على اقتصاديات العقد الإداري. ولما كانت التزامات المتعاقد مع الإدارة تتسم بالمرونة، فلذلك كان من المتوجب أن تتسم حقوقه بتلك المرونة أيضاً نظراً للارتباط الوثيق بين التزاماته وحقوقه، ووفقاً لذلك فقد ابتدع الفقه والقضاء الإداري ضمانة حق التوازن المالي للعقد، والتي أفرزت العديد من النظريات التي تكفل للمتعاقد مع الإدارة العديد من الضمانات، كنظرية الظروف الطارئة، ونظرية الصعوبات المادية غير المتوقعة ونظرية فعل الأمير.وهذه النظريات تحقق قدر الإمكان توازناً بين الأعباء التي يتحملها المتعاقد مع الإدارة وبين المزايا التي ينتفع بها، وذلك بتعويض المتعاقد في أحوال وبشروط معينة حتى ولو لم يصدر خطأ من جانب الإدارة. وأساس هذه النظريات هو العدالة المجردة التي هي قوام القانون الإداري، إضافة إلى ما تشكله هذه العدالة من مصلحة للمرفق العام ذاته، إذ تعين المتعاقد مع الإدارة على القيام بتنفيذ التزاماته على أكمل وجه وفي الوقت المحدد، إضافة إلى أنه يشجع الأفراد على التعاقد مع الإدارة.والصفوة فيما تقدم أنه إذا كان يمكن تقسيم الضمانات التي تكفل تنفيذ العقود الخاصة إلى ضمانات مسماة كالتأمينات العينية والشخصية، وضمانات غير مسماة أفرزتها رابطة الالتزام وأضحت لصيقة بها، فإن الفقه والقضاء الإداري، ومن واقع مبدأ العمل على دوام سير المرفق العام بانتظام وباطراد الذي يهيمن على تنفيذ العقد الإداري، قد حرصا على منح طرفي التعاقد، الإدارة والمتعاقد معها، ضمانات غير مسماة تكفل تحقيق المصلحة العامة. والقول بمنح الطرفين ضمانات لا يعني المساواة بينهما، حيث تتمتع الإدارة بطبيعة الحال بضمانات تفوق تلك الضمانات الممنوحة للمتعاقد معها، نظراً للعبء الملقى على عاتق الإدارة من حيث قيامها على حسن سير المرافق العامة ومسئوليتها الكبيرة تجاه الجمهور. ومن واقع الحال فإن المصلحة العامة تقدم دائماً على المصلحة الشخصية للمتعاقدين مع الإدارة، بشرط عدم التعسف في ذلك من قبل الإدارة.